نظرية الشخصية المعنوية كأساس للتنظيم الاداري
1. المطلب الاول: مفهوم الشخصية المعنوية
المطلب الاول/ مفهوم الشخصية المعنوية
الفرع الاول/ تعريف وطبيعة الشخصية المعنوية
أولا/ تعريف الشخصية المعنوية
الشخصية المعنوية هي الهيئات والمؤسسات والجماعات التي يريد المشرع أن يعترف بها, ويعطيها الحق في ممارسة كافة أنواع التصرفات القانونية في التعامل, وفي اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات وأن يكون لها ذمة مالية مستقلة شأنها في ذلك شأن الأشخاص الطبيعيين، وتتجلى أهمية الشخصية المعنوية في:
01/ الأهمية الفنية: تتجلى الأهمية الفنية لفكرة الشخصية المعنوية في عملية التنظيم الإداري, بحيث تعتبر الوسيلة الفنية الناجعة في عملية تقسيم الأجهزة والوحدات الإدارية المكونة للنظام الإداري, وكذلك وسيلة لتوزيع اختصاصات السلطة الإدارية, إقليميا و مصلحيا, وكذلك تحديد العلاقات فيما بينها.
02/ الأهمية القانونية: تلعب فكرة الشخصية المعنوية دورا قانونيا هاما في نطاق التنظيم الإداري, إذ بهذه الفكرة أمكن القيام بمختلف الوظائف الإدارية بواسطة أشخاص طبيعيين موظفي الدولة باسم الإدارة ولحسابها, فتعتبر هذه الأعمال أعمال الأشخاص الإدارية رغم أنها أنجزت بواسطة أشخاص طبيعيين.
ثانيا/ طبيعة الشخصية المعنوية
اولا/ نظريات الشخصية المعنوية
01/ الشخصية المعنوية فكرة مفترضة: عرض نظرية الشخصية المعنوية فكرة مفترضة يتزعمه الفقيه سافيني ويرى أصحاب هذه النظرية أن فكرة الشخصية المعنوية ما هي إلا محض افتراض وليس لها أساس من الواقع, لجأ إليها المشرع في الدولة كحيلة قانونية لتمكن التجمعات والهيئات من تحقيق أهدافها وأغراضها حتى تكون لها أهلية اكتساب الحقوق وتحمل الواجبات والالتزامات ويعتبرها -مجازا وافتراضا- شخصا من أشخاص القانون في الدولة
إن مذهب أو نظرية المجاز والافتراض القانوني تؤدي إلى إطلاق سلطان الدولة في التحكم في مصير الجماعات والتجمعات بشكل يقيد من تكوين وإنشاء الجماعات والتجمعات التي أصبحت تشكل أهمية كوسيط عدم مسؤولية الأشخاص المعنوية مدنيا وجنائيا.
02/ الشخصية المعنوية فكرة حقيقية: عرض نظرية الشخصية المعنوية فكرة حقيقية من أنصارها جيبرك وسالي الشخصية المعنوية أساسها اجتماع عدة أفراد لتحقيق غرض معين مشروع. وهذا الاجتماع يؤدي إلى نشوء إرادة مشتركة منفصلة عن إرادة المكونين له وهي أساس فكرة الشخصية المعنوية و حتى و إن تدخلت الدولة فان تدخلها لا يعني أنها هي التي أنشأت الشخص المعنوي بل لا يتجاوز الأمر حد الاعتراف...
ومن أهم نقد وجه لأصحاب هذه النظرية أنهم إذا كانوا قد نجحوا في تفسير وتأصيل الشخصية القانونية لجماعات الأفراد, فإنهم عجزوا على تفسير بعض التجمعات كتجمعات الأموال.
كما أنه هناك عدة نظريات ذهبت الى القول بأن فكرة الشخصية المعنوية لا فائدة ترجى منها وأنه ليس لها أي أساس أو قيمة أو فائدة في عالم القانون وأنه يمكن الاستغناء عنها باعتماد أفكار ونظريات قانونية أخرى تكون البديل الأكثر سلامة ومنطقية ووضوح مثل: فكرة الملكية المشتركة عند اهرنج,و فكرة الغرض وفكرة التضامن الاجتماعي والمراكز القانونية عند الفقيه ليون دوجي .
الفرع الثاني/ أنواع الأشخاص المعنوية
يوجود نوعين رئيسيين من الأشخاص المعنوية هي : الأشخاص المعنوية العامة ، والأشخاص المعنوية الخاصة ، مع ما تتمتع به الأشخاص المعنوية الخاصة من أهمية في نطاق القانون الخاص فتظهر بشكل الشركات والمؤسسات والجمعيات التي تنشأ بمبادرات الأفراد لتحقيق الربح أحياناً وتحقيق النفع العام أو المصلحة العامة في أحيان أخرى.
و الشخصية المعنوية العامة تحتل أهمية أكبر بكثير في نطاق القانون العام الذي لا يعرف غير هذا النوع من الأشخاص المعنوية رغم أن نظرية الشخصية المعنوية نشأت في ظل القانون الخاص . وقد درج الفقه والقضاء على تقسيم الأشخاص المعنوية العامة إلى ثلاث أنواع :
أولاً/ الأشخاص المعنوية الإقليمية
وهي الأشخاص المعنوية أو الاعتبارية التي يتعلق اختصاصها في نطاق جغرافي منعين من الدولة وهي تشمل الدولة والوحدات المحلية الأخرى.
01/ الدولة
وهي أهم الأشخاص المعنوية على الإطلاق ولهذا فقد ورد النص عليها في القانون المدني على أن الدولة هي أول الأشخاص الاعتبارية .
والدولة هي الشخص المعنوي العام الذي تتفرع عنه الأشخاص المعنوية الأخرى وهي التي تمنح الشخصية المعنوية الخاصة للأفراد والهيئات الخاصة وتمارس الرقابة عليها .
والدولة باعتبارها شخص معنوي عام تشمل سلطات الدولة الثلاث : السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية ، باعتبارها شخص معنوي واحد . إلا أن هذه الوحدة في شخصية الدولة لم تكن أمراً مسلماً به فقد اختلف الفقه في شأنها .
فقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن الاعتراف بالشخصية المعنوية العامة للدولة يقتصر على مجال معين من نشاط الدولة وهو الحقوق المادية والتصرفات التي تندرج في القانون الخاص ، أما بالنسبة لتصرفات الدولة التي تحمل طابع السلطة وامتيازاتها فما هي إلا اختصاصات يمارسها ممثلوا الدولة في الحدود التي رسمها القانون تحقيقاً للمصلحة العامة.
ولعل الدافع وراء تبني هذا الرأي الخشية من تعسف الدولة وجورها على الحريات العامة إذا ما اعتبرت تصرفات الدولة حقاً من حقوقها , بينما ذهب رأي آخر إلى ثنائية شخصية الدولة ، فتكون شخصاً معنوياً خاصاً إذا ما تصرفت في مجال الحقوق المالية أو الحقوق الخاصة المشابهة لتصرفات الأفراد وينطبق عليها القانون الخاص وتعتبر شخصاً معنوياً عاماً إذا قامت بعمل بدخل في ضمن نطاق السلطة العامة وهنا تخضع تصرفاتها لأحكام القانون العام .
إلا أن هذه الآراء لم تلبث أن انتهت ، وأصبح الرأي السائد فقهاً وقضاءً أن شخصية الدولة وحدة لا تتجزأ وهي تشمل جميع تصرفات الدولة وأعمال الخاصة منها والتي تتسم بطابع السلطة العامة . وهو رأي يتماشى مع المنطق القانوني السليم .
02/ الوحدات المحلية المحافظات .
وترتبط فكرة الأشخاص المعنوية العامة المحلية بالديمقراطية التي تسمح لكل إقليم من أقاليم الدولة أن يدير شؤونه المحلية من خلال ممثليه من سكان الإقليم في المحافظات.
ثانياً/ الأشخاص الاعتبارية العامة المرفقية
ويطلق عليها أيضاً ألا مركزية المصلحة أو المرفقية ، وتنشأ لتحقيق مصالح عامة للأفراد تحت رقابة الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية التابعة لها . وتسمى هذه الأشخاص بالهيئات العامة أو المؤسسات أو الشركات العامة .
وقد لجأ المشرع إلى إنشاء هذه الأشخاص لتباشر أدارة المرافق العامة التي تتطلب نوعاً من الاستقلال الفني عن الحكومة المركزية ضمان فاعلية وكفاءة الإدارة . وتختلف هذه الأشخاص عن الأشخاص الاعتبارية الإقليمية في أنها مقيدة بالهدف الذي أنشأت من أجله، في حين تكون الأخيرة مقيدة بالحدود الجغرافية للإقليم الذي تمثله .
وحيث أن الأشخاص الاعتبارية المرفقية تهدف إلى تحقيق أغراض متنوعة منها ما هو إداري أو اجتماعي أو اقتصادي ، فإن هذا الاختلاف يقود إلى اختلاف أنظمتها القانونية حسب النشاط الذي تتولاه ، أما الأشخاص الإقليمية فالقاعدة العامة أنها تتمتع بذات التنظيم القانوني .
كذلك تفترق الأشخاص الاعتبارية المرفقية عن الأشخاص الاعتبارية الإقليمية في أن الأخيرة تقوم على فكرة الديمقراطية التي تؤكد حق سكان الوحدات المحلية بإدارة شؤونهم المحلية بأنفسهم ، بينما تقوم فكرة الشخصية الاعتبارية المرفقية على ضرورة ضمان الكفاءة الإدارية وحسن إدارة المرافق العامة ذات الطابع الفني ولا علاقة للديمقراطية في ذلك . كما هو الحال في الجامعات والهيئة العامة للمياه والهيئة العامة للإذاعة .
ثالثاً/ الأشخاص المعنوية المهنية
بسبب التطور المستمر في مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية في مختلف الدول وتأثير هذا التطور على القانون الإداري وأحكامه ظهرت فكرة جديدة لأشخاص معنوية أخرى تتمثل في المنظمات والاتحادات ذات الطابع المهني ، تتولى إدارة مرافق عامة ينشأها المشرع لتحقيق مصالح عامة ، ومن ذلك الاتحاد العام لطلبة الجماهيرية واتحاد الأدباء والكتاب والمؤتمر المهني للمعلمين . وتتمتع هذه الأشخاص بالاستقلال ولها إصدار اللوائح الخاصة بتأديب أعضائها وممارسة المهنة التي تشرف عليها.