تاريخ وفلسفة كرة القدم
5. مفهوم الروح الرياضية
والواقع أن هذا الميل العصري إلى الحماسة الزائدة بين لاعبي الكرة من الدرجة الأولى ، ما هو إلا نتيجة تسلط أعين الجماهير الغفيرة عليهم ، وإعطائهم الوعود بإغداق الأموال الطائلة عليهم في حالة فوزهم . وقد أمكن كبح هذا الميل بين اللاعبين الانكليز لمدة مئة سنة تقريبا . وفي القرن التاسع عشر أصبحت كرة القدم في انكلترا اللعبة المميزة لدى المدارس الخاصة ، ولم تعد وقفا على الرعاع والسوقة . وكانت تلك المدارس الخاصة وقت إذ فريدة في نوعها . فلم تهدف إلى تخريج شبان مكتظة عقولهم بالمعرفة بقدر اهتمامها بتخريج أشخاص من قالب خاص ــ أشخاص يعيشون حياتهم وفق نظم خلقية غير مكتوبة ، ترتكز على الاستقامة العادلة في جميع الخلافات . ولم يستطع أحد أبدا أن يصف تماما من هو الرجل الماجد الطريف ( الجنتلمان ).
ولكن كل واحد كان في استطاعته أن تميزه حالما يقع نظره عليه . وكان هذا الرجل محبوبا بوجه عام ، ولكن ليس مفهوما إلا قليلا .
وهذا اللاعب الطريف الكريم هو الذي أدخل إلى كرة القدم مفهوم الروح الرياضية الحقة ، ولسان حاله يقول : (( اللعب هو كل شيء ، وليس الغلبة ، بل الأسلوب )) . وبذلك أصبحت الروح الرياضية بمثابة رمز صوفي دقيق مبهم يصعب إدراكه . فلم تكن الغلبة بالنسبة إليه مهمة أبدا ، وإنما كانت الاستقامة والمجاملة نحو منافسه في المباراة هما كل شيء .
وعلى هذا المبدأ ما لبثت الفكرة المعروفة باسم (( فير بلاى )) (Fair Play ) ، أي اللعب النقي المستقيم ، أن شاعت في عدة أقطار ، وغدا عطف الرياضي دائما في صف الضعيف ــ الشخص الصغير الذي يجاهد بكل قواه ضد العوائق القاهرة التي يصعب جدا التغلب عليها ــ أي في صف الشجاعة وليس في صف التفوق والسيطرة .
وحتى اليوم فإنك كثيرا ً ما ترى النظارة الانكليز ، في حالة مشاهدتهم مباراة بين فريقين متنافسين ( على التلفزيون مثلا ) ، يساندون الفريق الخاسر إلى أن يبدأ يفوز ، وعندئذ ترى شعورهم يتحول حالا إلى الجانب الآخر الذي بدأ يخسر .