مضمون المحاضرة
2. الهيئات المحلية للضبط الإداري البيئي في الجزائر
رغم أن الكثير من التشريعات البيئية لا تشير إلى وجود هيئات محلية متخصصة في حماية البيئة، إلاّ أن ذلك أصبح من القواعد العامة للإدارة اللامركزية التي أصبحت مسلمة من مسلمات الإدارة في الدولة[1]، ففي فرنسا مثلا، وبشأن حماية التراب الوطني تنفذ هذه السياسة العامة المتعلقة بهذه الحماية بين الحكومة المركزية والإدارات المحلية فقد أنشأ القانون الصادر عام 1975 (جهاز حماية التراب الوطني) كمؤسسة إدارية عامة تابعة إلى وزارة البيئة، ورغبة من المشرع في إشراك الإدارات المحلية والمواطنين في تنفيذ السياسة البيئية للدولة أنشأ إلى جانبه مجالس محلية تابعة له تشاركه وتقاسمه هذه المهمة على المستوى المحلي[2].
وفي حكم لمجلس الدولة الفرنسي اعتبر فيه مرفق البيئة من المرافق ....... الواجب على الحكومة المحلية الإصطلاع بها، وليست من المرافق التي ترخص بها الحكومة المركزية للحكومة المحلية ممارية مهامها عند توزيع الإختصاص بينهما[3].
وفي مصر، تجسد الاهتمام بموضوع فاعلية الإدارة المحلية في حماية البيئة عام 1982، حيث تم إنشاء مكتب الحماية شؤون البيئة في ديوان كل محافظة، وتحددت وظيفته في حماية البيئة في كل محافظة من التلوث والتدهور لاسيما في مجالات مياه الشرب وصرف المخلفات السائلة الأدمية والصناعية، وصرف المياه المحالة من الأراضي الزراعية وحماية الهواء من التلوثات الشعاعية والغازات الملوثة، وحماية الحيوانات البرية وحماية التربة من الكيمياويات الصناعية والكيمياوية.
ومن ذلك على سبيل المثال المادة (37) من القانون البيئي المصري النافذ، تنص على أنه: «يحظر إلقاء أو معالجة حق القمامة والمخلفات الصلبة إلا في الأماكن المخصصة لذلك بعيدًا عن الأماكن السكنية والصناعية، والزراعية والمجاري المائية، وتلزم الوحدات المحلية بالإنفاق مع جهاز شؤون البيئة بتخصيص أماكن إلقاء أو معالجة أو حرق القمامة والمخلفات الصلبة طبقا لأحكام هذه المادة»[4].
أما قانون حماية وتحسين البيئة العراقي، فقد أشار إلى تشكيل مجالس لحماية البيئة في المحافظات بقوله: «يؤسس في كل محافظة مجلس يسمى (مجلس حماية وتحسين البيئة في المحافظة) ...... المحافظ ويرتبط بالمجلس، وتحدد مهامه وسير العمل فيه وتسميته أعضائه بتعليمات يصدرها رئيس المجلس»[5].
وفي عام 2012 أصدرت الوزارة تعليمات بشأن تشكيل مجالس حماية وتحسين البيئة وحددت مهامها بشأن ذلك[6].
وتجدر الإشارة إلى أهمية دور الإدارة المحلية في حماية البيئة باعتبارها الأقرب إلى عناصر ومعطيات البيئة المحلية، كما أنها الأقرب إلى المواطن من الإدارة المركزية، فعندما تباشر الإدارة المحلية، أو اللامركزية وممارستها للمهام المنوطة بها، تكون الأقرب إلى الأخذ بالنظر، الاعتبار البعد البيئي للنشاطات المحلية والحرص على ديمومة التنمية واستخدام الموارد الطبيعية وصيانتها وحفظ حقوق الأجيال القادمة فيها.
بالنسبة للجزائر وبالرجوع إلى المواثيق الكبرى والقوانين الصادرة في هذا المجال، نجد الميثاق الوطني الصادر في 1976 ينص على: «أن المجموعات المحلية، وكذلك مجموع المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبلاد ستلعب دورًا رئيسيا في تنفيذ سياسة مكافحة التلوث وحماية البيئة التي يجب أن تكون الشغل الشاغل لجميع المواطنين، إذ لا يجوز اعتبار ذلك مهمة خاصة بالدولة وحدها»[7].
كما أشارت الندوة الوطنية الأولى حول حماية البيئة المنعقدة في 25 و26 ماي 1985 في قصر الأمم تحت شعار «صحة البيئة والإشارة» إلى مدى تكفل الجماعات المحلية، واهتمامها بموضوع البيئة، ومعطياته إلى جانب الدولة إلى المهام الموكلة لها في التطبيق التدريجي لسياسة حماية البيئة والحفاظ عليها، ومدى تدعيمها بالنصوص القانونية التي يحدد الإستراتيجية العامة في هذا المجال[8]، وذلك لتمكين وتسهيل التطبيق الفعلي وتنفيذ السياسة العامة لحماية البيئة من طرف الجماعات المحلية. ويتجلى لنا ذلك من خلال التشريع الجزائري[9].
[2] Françoise Bullaudot, op.cit, p.350.
[3] حكم مجلس الدولة الفرنسي الصادر في 6 جويلية 1924 في قضية Outoyre von منشور بمجلة Sirey عام 1934، الجزء الثالث، ص127.
[4] زينب كريم الداودي، دور الضبط الإداري في حماية البيئة، مجلة القانون للعلوم القانونية والسياسية، كلية القانون، جامعة القادسية، العراق، ص366.
[5] زينب كريم الداودي، المرجع السابق، ص368.
[6] المادة الأولى من تعليمات وزارة البيئة رقم (01) لسنة 2012 منشورة في جريدة الواقائع العراقية بالعدد (4232) بتاريخ 12/03/2012.
[7] الميثاق الوطني الصادر 1976، وفقا للأمر رقم 76-57 المؤرخ في 5 جويلية 1976، ص266.
[8] أحمد يكحل، دور الجماعات المحلية في حماية البيئة، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2014، ص74-76.
[9] المادة 85 من أحكام القانون البلدي رقم 11-10 المؤرخ في 20 جوان 2011 المتعلق بقانون البلدية، جريدة رسمية، العدد 37، المؤرخة في 03-07-2011، ص15.