تنظيم عمليات البناء باستعمال أدوات التعمير
1. المخطط التوجيهي للتهيئة والتعميرPDAU
عرّف المشرع الجزائري "المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير" في المادة 16 من القانون رقم 90-29 المتعلق بالتهيئة والتعمير المعدّل والمتمم([1]) بأن: "المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير هو أداة للتخطيط المجالي والتسيير الحضري، يحدّد التوجيهات الأساسية للتهيئة العمرانية للبلدية أو البلديات المعنية آخذًا بعين الاعتبار تصاميم التهيئة ومخططات التنمية ويضبط الصيغ المرجعية لمخطط شغل الأراضي".
وهو الأمر الذي يوضّح رغبة المشرع في تنظيم المجال ومراقبة التوسع العمراني للمدن قصد إيجاد التوازن بين إشباع حاجات المواطن في مجال السكن، وبين حماية الأراضي الفلاحية وبين ممارسة الأفراد للنشاطات الصناعية.
الفرع الأول: موضوع ومحتويات المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير
بعد تحديد المشرع للأهداف الكبرى لهذا المخطط وتحديد الخطوط العريضة له، جاء في نص المادة 19 من القانون رقم 90-29 المتعلق بالتهيئة والتعمير لِيُفصّل موضوعه بدقّة، ويُوضّح القطاعات، ذلك أنّ هذا المخطط يقوم على أساس الاستعداد للمستقبل بإعداد المشروعات المناسبة له في البلدية أو البلديات المعنية فهو يقوم على أساس جملة من الافتراضات يتوقع حدوثها مستقبلا([2]) ،وهذا من خلال تقسيمه للمنطقة التي يتناولها إلى مجموعة من القطاعات([3]) محدّدة كما يلي:
*-القطاع المعمّر (SU) secteurs urbanisés: فإنّه يشمل كل الأراضي التي تشغلها بنايات مجتمعة ومساحات فاصلة ما بينها كالمساحات الخضراء والحدائق والغابات الحضرية الموجّهة إلى خدمة هذه البنايات المتجمعة، كما تشمل هذه القطاعات كل الأجزاء الواجب تجديدها وإصلاحها وحمايتها([4]).
*-القطاع المبرمج للتعمير (SAU) Secteurs à urbanisés: فإنّه يشمل الأراضي المخصّصة للتعمير على الأمدين القصير والمتوسط في آفاق 10 سنوات حسب جدول من الأولويات المنصوص عليها في المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير وفقا لنص المادة 21 من القانون رقم 90-29 المتعلق بالتهيئة والتعمير.
*-قطاعات التعمير المستقبلية (SUF) Secteurs d’urbanisation futur: فقد نصّت عليها المادة 22 من القانون رقم 90-29 المتعلق بالتهيئة والتعمير، وهي تشمل الأراضي المخصّصة للتعمير على المدى البعيد في آفاق 20 سنة([5]).
*- القطاعات غير القابلة للتعمير (SNU) Secteurs non urbanisables: فهي تشمل وفقا للمادة 23 من القانون رقم 90-29 المتعلق بالتهيئة والتعمير ،كل الأراضي التي تكون حقوق البناء فيها محدّدة بدقة وبنسب تتلاءم مع الاقتصاد العام لمناطق هذه القطاعات، فهي قطاعات من الأقاليم العمرانية للبلدية غير مخصّصة للتعمير بسبب معوّقات خاصة، والتي قد تكون مناطق محمية في صورة أراضي ذات خصوبة فلاحية عالية، أو محاجر ذات استعمال منجمي، أو غابات عمومية، أو أماكن ساحلية حساسة، أو قد تكون هذه القطاعات في صورة مناطق ذات خطورة بسبب تعرّضها للفيضانات، أو عدم استقرارها نتيجة لظاهرة انزلاق التربة أو انخفاضها.
أما عن محتويات المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير فإنه يتضمن تطبيقا للنصوص القانونية التي تحدد إطاره القانوني، تقرير توجيهي مرفق بمستندات بيانية مرجعية([6]) .
*- التقرير التوجيهي: تحدد فيه التوجيهات العامة للسياسة العمرانية بعد تقديم شرح للوضع الحالي وآفاق التنمية العمرانية والوعاء العقاري الذي سوف يطبق في نطاقه، حيث يضبط فيه ما يلي:
- تحليل الوضع القائم، تقييمه وتشخيصه بجميع عناصره ووضع الاحتمالات الرئيسية للتنمية بالنظر إلى التطور الاقتصادي، الديمغرافي، الاجتماعي والثقافي للتراب المعني وتحديد إمكانيات التنمية التي تتضمن الإطار الفيزيائي والطبيعي للأماكن، التحليل الديمغرافي والسوسيواقتصادي، تعيين الشبكة العمرانية الحضرية والريفية واقتراح آفاق التنمية في البلدية أو البلديات المعنية التي تشمل آفاق السكن والعمل والمرافق على المدى الطويل، المتوسط والقصير.- قسم التهيئة المقترح بالنظر إلى التوجيهات الخاصة في مجال التهيئة العمرانية وحماية الساحل وتخفيف المخاطر الطبيعية والتكنولوجية.
*- لائحة التنظيم: هذه اللائحة تحدد القواعد المطبقة بالنسبة لكل منطقة مشمولة في القطاعات كما هي محددة في المواد 20 21، 22، 23 من القانون رقم 90-29 المعدل والمتمم تحدد فيها الترتيبات القانونية الإجبارية التي يمكن الاحتجاج بها لدى الغير بالنسبة لكل المناطق الواقعة داخل مختلف القطاعات، وتشمل ما يلي:
- التخصيص الغالب للأراضي وطبيعة النشاطات الممنوعة أو الخاضعة إلى إجراءات خاصة لاسيما تلك المقررة في مخطط تهيئة الساحل المنصوص عليه في القانون رقم 02-02 المؤرخ في 05/02/2002 المتعلق بحماية الساحل وتثمينه([7]).- الكثافة العامة الناتجة عن معامل شغل الأراضي،- الارتفاقات المطلوب الإبقاء عليها أو تعديلها أو إنشاؤها،- المساحات التي تتدخل فيها مخططات شغل الأراضي مع الحدود المرجعية المرتبطة بها، وذلك بإبراز مناطق التدخل في الأنسجة العمرانية القائمة ومساحات المناطق المطلوب حمايتها، تحديد مواقع التجهيزات الكبرى والمنشآت الأساسية والخدمات والأعمال ونوعها،- يحدد شروط البناء الخاصة داخل بعض أجزاء التراب الوطني كما وردت في الفصل الرابع من القانون رقم 90-29 المتعلق بالتهيئة والتعمير، تتمثل في الساحل، الأقاليم ذات الميزة الطبيعية البارزة والأراضي الفلاحية ذات المردود الفلاحي العالي أو الجيد،
- المناطق والأراضي المعرضة للأخطار الطبيعية لاسيما التصدعات الزلزالية أو الانزلاقات أو انهيارات التربة والتدفقات الوحلية وارتصاص التربة والتمييع والفيضانات،
- مساحات حماية المناطق والأراضي المعرضة للأخطار التكنولوجية المتمثلة في المؤسسات والمنشآت الأساسية لاسيما منها المنشآت الكيماوية والبتروكيماوية وقنوات نقل المحروقات والغاز والخطوط
الناقلة للطاقة،- المناطق الزلزالية وتصنيفها حسب درجة قابليتها لخطر الزلازل،
- الأخطار الكبرى المبينة في المخطط العام للوقاية والمخططات الخاصة للتدخل.
*- الوثائق والمستندات البيانية: وتشمل خاصة المخططات وهي:
**مخطط الوضع القائم، يبرز فيه الإطار المشيد حاليا، وأهم الطرق والشبكات المختلفة،
* *مخطط التهيئة، يبين حدود ما يلي:
- القطاعات المعمرة، القابلة للتعمير، وتلك المخصصة للتعمير في المستقبل،
- بعض أجزاء الأرض، الساحل، الأراضي الفلاحية ذات الإمكانات الزراعية المرتفعة أو الجيدة والأراضي ذات الصبغة الطبيعية والثقافية البارزة،
- مساحات تدخل مخططات شغل الأراضي التي تأتي تنفيذا له.
**مخطط تجهيز، يبرز خطوط مرور الطرق وأهم سبل إيصال ماء الشرب وماء التطهير، وكذلك تحديد مواقع التجهيزات الجماعية ومنشآت المنفعة العمومية،
* مخطط الارتفاقات الواجب الإبقاء عليها أو تعديلها أو إنشاؤها،
* مخطط يحدد مساحات المناطق والأراضي المعرضة للأخطار الطبيعية والتكنولوجية والمخططات الخاصة للتدخل تحدد المناطق والأراضي المعرضة للأخطار الطبيعية عن طريق الدراسات الخاصة بالزلازل والدراسات الجيوتقنية أو الخاصة.
ويترتب على هذا التقسيم وفرض شروط للبناء على بعضها، وكذا حضر البناء على البعض الآخر التحكّم في العقارات الموجودة وتنظيم استعمالها، ومنه الحدّ من الاستعمال اللاعقلاني لهذه الأراضي ممّا ينعكس إيجابا على تنظيم المجال العمراني وبذلك تسهيل عملية الرقابة من خلال الرخص والشهادات الممنوحة للترخيص بالأشغال عليها([8]) بالإضافة إلى أنّ هذا التقسيم يحمي الأراضي الغابية والفلاحية من عملية تحويلها وإفقادها لخواصها، وكذا حماية البيئة والمحيط.
الفرع الثاني: إجراءات الإعداد والمصادقة على المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير
يتم اعتماد المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير بعد إتباع مجموعة من المراحل حدّدها المرسوم التنفيذي رقم 91-177 المحدّد لإجراءات إعداد المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير والمصادقة عليه ومحتوى الوثائق المتعلقة به المعدّل والمتمم([9]).
*إجراء مداولة من قبل المجلس الشعبي البلدي أو المجالس الشعبية البلدية المعنية
يجب تغطية كل بلدية بمخطط توجيهي للتهيئة والتعمير، يتم إعداد مشروعه بمبادرة من رئيس المجلس الشعبي البلدي، وتحت مسؤوليته طبقا لنص المادة 24 من القانون رقم 90-29 المتعلق بالتهيئة والتعميرالمعدل والمتمم، يتم إقرار المخطط التوجيهي للتهيئة و التعمير بموجب مداولة من قبل المجلس الشعبي البلدي المعني أو المجالس الشعبية البلدية المعنية.
*تبليغ المداولة
تبلّغ المداولة حسب المادة 03 من نفس المرسوم التنفيذي رقم 91-177 المحدد لإجراءات إعداد المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير والمصادقة عليه ومحتوى الوثائق المتعلقة به إلى الوالي المختص إقليميا وتنشر لمدة شهر بمقر المجلس الشعبي البلدي المعني أو المجالس الشعبية البلدية المعنية.
وحسب المادة 05 من نفس المرسوم، فإنّه إذا كان المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير يشمل تراب بلديتين أو أكثر يسمح لرؤساء المجالس الشعبية البلدية بإسناد مهمة إعداده إلى مؤسسة عمومية مشتركة بين البلديات([10]).
ووفقا لنص المادة 08 من نفس المرسوم التنفيذي 91-177 المحدد لإجراءات إعداد المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير، تستشار وجوبا كل الإدارات العمومية والمصالح التابعة للدولة المكلّفة على مستوى الولاية ب: التعمير، الفلاحة، التنظيم الاقتصادي، الري، النقل، الأشغال العمومية، المباني والمواقع الأثرية والطبيعية، والبريد والمواصلات، البيئة، التهيئة العمرانية، والسياحة([11]،وأضافت المادة 02 من المرسوم التنفيذي رقم 12‑148 المؤرخ في 28/03/2012 المعدل والمتمم للمرسوم التنفيذيرقم 91‑177، مصالح الصناعة وترقية الاستثمار،وتكون لها مهلة 60 يومًا من تاريخ تبليغ مشروع المخطط الموافق عليه بمداولة المجلس الشعبي أو البلديات المعنية من أجل إبداء رأيها،وإذا لم تجب خلال هذه المدة عدّ رأيها موافقا حسب نص المادة 09 من المرسوم التنفيذي رقم 91-177 المحدد لإجراءات إعداد المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير والمصادقة عليه.
ويمكن لرئيس المجلس الشعبي البلدي أن يستشير اختياريا بعض الهيئات الأخرى إن كان ذلك يدعم فائدة الدراسة ،وقد حدد القانون هذه الهيئات في رؤساء غرفة التجارة، ورؤساء غرفة الفلاحة ورؤساء المنظمات المهنية ورؤساء الجمعيات المحلية، وعلى هؤلاء المرسل إليهم الإفصاح عن إرادتهم في المشاركة في إعداد المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير وتعيين ممثليهم في حالة ثبوت إرادتهم، وذلك في مهلة 15 يومًا ابتداءًا من تاريخ استلامهم الرسالة.
*إجراء التحقيق العمومي
يعد التحقيق العمومي صورة من صور مشاركة الجمهور، حيث يتبنى رئيس المجلس الشعبي البلدي المشروع التمهيدي للمخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير عن طريق مداولة الاعتماد، ولإطلاع الرأي العام عليه يعرض المشروع للتحقيق العمومي لمدة 45 يومًا، لتمكين السكان من إبداء آرائهم وملاحظاتهم حوله، ويكون ذلك بموجب قرار إداري يتخذ من قبل رئيس المجلس الشعبي البلدي أو رؤساء المجالس الشعبية البلدية المعنية،حسب المادة 10 من المرسوم التنفيذي رقم 91‑177،يتضمّن - تحديد المكان أو الأماكن التي يمكن استشارة مشروع المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير فيه أو فيها.- تعيين المفوّض المحقق أو المفوّضين المحققين.- تبيان تاريخ انطلاق مدّة التحقيق وتاريخ انتهائها.
وينشر القرار الذي يعرض المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير على التحقيق العمومي بمقر المجلس الشعبي البلدي أو المجالس الشعبية البلدية المعنية طوال مدّة التحقيق وتبلّغ نسخة من القرار للوالي المختص إقليميا حسب المادة 14 من القانون رقم 90‑29 .وبعد انقضاء مهلة 45 يومًا، يقفل سجل التحقيق ويوقّع عليه من قبل المفوّض المحقق، يقوم هذا الأخير خلال 15 يومًا الموالية بإعداد محضر قفل التحقيق ويرسله إلى رئيس المجلس الشعبي البلدي أو رؤساء المجالس الشعبية البلدية المعنية مصحوبًا بالملف الكامل للتحقيق مع استنتاجاته.
* مرحلة المصادقة على المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير
بعد تلقّي رأي المجلس الشعبي الولائي تتم المصادقة على المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير وفقا لما نصّت عليه المادة 27 من القانون رقم 90-29 المتعلق بالتهيئة والتعمير، والمادة 15 من المرسوم التنفيذي رقم 91-177 كالآتي:
- بقرار من الوالي، وذلك بالنسبة للبلديات أو مجموعة من البلديات التي يقل عدد سكانها عن 200.000 ساكن.- بقرار مشترك بين الوزير المكلّف بالتعمير والوزير المكلّف بالجماعات المحلية بعد استشارة الوالي المعني أو الولاّة المعنيين بالنسبة للبلديات أو مجموعة البلديات التي يفوق عدد سكانها 200.000 ساكن ويقل عن 500.000 ساكن.- بمرسوم تنفيذي يصدر بعد استشارة الوالي المعني أو الولاة المعنيين وبناء على تقرير من الوزير المكلّف بالتعمير بالنسبة للبلديات التي يفوق عدد سكانها 500.000 ساكن.
وبمجرد المصادقة على المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير، يصبح له قوة ملزمة في مواجهة الإدارة والمواطن والذي ستبنى عليه جميع قواعد التهيئة والتعمير فيما بعد خاصة الحصول على الرخص العمرانية، ولا يمكن أن تسلم أية رخصة أو شهادة في مجال التعمير إلا إذا كانت تستجيب للمقاييس المحددة في المخطط.
ونظرا لكون المخطط التوجيهي له نظرة مستقبلية في رسم إستراتيجية البناء والتعمير على المدى الطويل، فهو يتجاوز الواقع العمراني، وبالتالي فإن المتغيرات المستجدة تحتم تعديله أو مراجعته ليستجيب للمتغيرات الحديثة، وقد نصت المادة 28 من القانون رقم 90‑29 المتعلق بالتهيئة والتعمير على أسباب مراجعة المخطط التوجيهي بقولها: "لا يمكن مراجعة المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير إلا إذا كانت القطاعات المزمع تعميرها في طريق الإشباع أو إذا كان تطور الأوضاع أو المحيط أصبحت معه مشاريع التهيئة للبلدية أو البنية الحضرية لا يستجيب أساسا للأهداف المعنية لها".
([2]) منصور مجاجي، "رخصة البناء كأداة لحماية البيئة في التشريع الجزائري"،رسالة دكتوراه، جامعة سعد دحلب، البليدة، 2007، ص. 113.
([3]) القطاع هو جزء ممتد من تراب البلدية يتوقع تخصيص أراضيه لاستعمالات عامة وفي آجال محددة للتعمير، أنظر المواد من 19 إلى 23 من القانون رقم 90-29 المتعلق بالتهيئة والتعمير المعدل والمتمم.
([5])ChaabaneBenakezouh, de la loi d’orientation foncière au droit de l’urbanisme,RevueIDARA, éditée par le centre de documentation et de recherche administratives E.N.A, Alger, N°22, 2001, P.83.
وأيضا عائدة ديرم،"الرقابة الإدارية على أشغال التهيئة والتعمير في التشريع الجزائري"، مذكرة ماجستير، قانون خاص، المركز الجامعي سوق أهراس الجزائر، 2007-2008، ص.23.