مفهوم القانون الإداري
1. : تميز القانون الإداري من خلال المفهوم و النشأة
يتميز القانون الإداري عن غيره من فروع القانون الإداري ، و ذلك لخصوصية تعريفه و مراحل نشأته و الخصائص المميزة له كذلك ، إضافة إلى الأسس التي يقوم عليها و مصادر قواعده .
أولا : مفهوم القانون الإداري و مكانته بين القوانين.
1- مكانة القانون الإداري بين القوانين :
يقسم القانون عموما من حيث العلاقة التي يحكمها إلى قانون عام Droit publicو إلى قانون خاص Droit privé ، بحيث يعرف القانون العام على أنه مجموعة القواعد القانونية التي تحكم كل عرقة أحد أطرافها شخص من الأشخاص المعنوية العامة مثل الدولة ، الولاية ، البلدية أو المؤسسة العمومية ذات الصيغة الإدارية بشرط أن تظهر هذه الأشخاص مستخدمة لسلطتها العامة .
و بعد القانون الإداري إلى جانب القانون الدستوري من أهم فروع القانون العام الداخلي ، أما في الجهة المقابلة ، فيوجد القانون الخاص الذي يمكن تعريفه على أنه مجموعة القواعد القانونية العامة و المجردة التي تحكم كل علاقة أطرفها أشخاص خاصة أو طبيعية ، و من أهم فروع القانون الخاص نذكر القانون المدني الذي تفرعت عنه جميع القوانين .
2- مفهوم القانون الإداري :
لقد أكدت فرنسا عند تبنيها لنظام ازدواجية القضاء و القانون على ضرورة التمييز بين القواعد القانونية التي يخضع لها الأفراد و سائر أشخاص القانون الخاص و القواعد التي تخضع لها الإدارة بحكم أنها تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة .
بينما ينبذ الفقه الإنجليزي فكرة القانون الإداري بالمفهوم الفرنسي على أساس أنه صورة من صور تسلط الإدارة ، كما أنه انتهاك صريح و صارخ لمبدأ المساواة أمام القانون و بمبدأ الفصل بين السلطات ، هذا الأخير الذي يقتضي خضوع الإدارة كالأفراد تماما لنفس الجهة القضائية ، فوحدة القانون حسب هؤلاء هي أكبر ضمانة ضد تعسف الإدارة .
و تأسيسا على هذا الاختلاف و التباين في المواقف وجب أن يكون للقانون الإداري مفهوم واسع شامل مطلق و آخر ضيق خاص .
بحيث يقصد بالمفهوم الواسع للقانون الإداري مجموع " القواعد القانونية التي تحكم الإدارة العامة سواء كان مصدرها القانون الخاص أو القانون العام ، بل و حتى و إن كان مصدرها القانون الخاص لوحده " و يترتب على إعمال هذا المفهوم التأكيد على أن القانون الإداري موجود في كل الدول لأنه لا يتصور وجود دولة دون إدارة عامة
أما المفهوم الضيق للقانون الإداري فيقصد به " مجموعة القواعد القانونية المتميزة و المختلفة عن قواعد القانون الخاص التي تحكم الإدارة العامة من حيث تنظيمها و نشاطها و ما يترتب من منازعات عن هذا النشاط " .و بذلك نخلص إلى أن القانون الإداري بالمعنى الضيق هو القانون الإداري الحقيقي الذي نقصده ، فهو ليس مجرد تسمية لقانون بحكم ارتباطه بالإدارة العامة ، بل هو قانون متميز يحتوى على احكام خاصة .
و تجدر الإشارة إلى أن الإدارة العامة لا تخضع في كل معاملة و نشاط للقانون الإداري لوحده ، بل قد يحكمها القانون الخاص في وضعيات و حالات معينة ، ذلك أن الإدارة العامة حينما أحيطت بقواعد متميزة كان ذلك بالنظر لأنها تمثل سلطة عامة و تدير مرفقا عاما و تمارس نشاطا متميزا و تستخدم أموالا عامة و تهدف إلى تحقيق مصلحة عامة ، فإن هي فقدت هذا الموقع و ابتعدت عن هذا النشاط المتميز خضعت للقانون الخاص و لم تعد هنالك حاجة لإخضاعها للقانون العام .
3- مدى تأثر المشرع الجزائري بالمفهوم الفني للقانون الإداري :
سبق القول أن القانون الإداري بالمفهوم الضيق الفني يتضمن مجموعة قواعد استثنائية غير مألوفة في مجال القانون الخاص تخضع لها الإدارة العامة ، و لقد تبنى المشرع الجزائري تدريجيا و بموجب نصوص عديدة فكرة القانون الإداري بالمفهوم الفرنسي كما تأثر بها القضاء الجزائري ، و فيما يلي بيان مظاهر هذا التأثر بإيجاز :
أ- من حيث النظام القانوني :
إن مظاهر تأثر المشرع الجزائري بنظرة القانون الإداري بالمفهوم الضيق تبرز خاصة من خلال إقراره لنظام تعاقدي خاص بحكم عقود الإدارة شمله قانون الصفقات العمومية ، كما تتجلى مظاهر تأثره في تخصيصه فئة الموظفين العمومين بنظام قانوني خاص .
- في مجال العقود الإدارية :
تأثر المشرع الجزائري منذ فجر الاستقلال بنظرية العقد الإداري التي أرسى مبادئها القضاء الإداري الفرنسي ممثلا في مجلس الدولة الفرنسي ، و يتجلى هذا التأثر في اصدراه لتقنين خاص بحكم معقود الإدارة العامة ، و شهدت الصفقات العمومية على مراحل طويلة تعديلات و ظهور تنظيمات كان آخرها المرسوم الرئاسي 15-247 المؤرخ في 16 سبتمبر 2015 .
- في مجال الوظيفة العامة :
تأثر المشرع الجزائري عند صياغته للأمر رقم 66-133 المؤرخ في 12 جوان 1966 المتضمن القانون الأساسي للوظيفة العامة بقانون الوظيفة العامة الفرنسي لعام 1959 خاصة فيما يتعلق بالشروط الواجب توافرها لاعتبار الشخص موظفا عاما و بإجراءات التوظيف .
و بتغير المعطيات الداخلية و كذلك النظام السياسي خاصة بعد ظهور التعديل الدستوري لعام 1966 كان لزاما على المشرع أن يعمل على إرساء قواعد جديدة للوظيفة العامة تلائم المحيط السياسي و القانوني الجديد و تستجيب لتطلعات و طموحات فئة واسعة في المجتمع الجزائري هي فئة الموظفين العموميين .
و هو ما طالب به نواب المجلس الشعبي الوطني و مختلف النقابات التي تنشط في مجال الوظيفة العامة . و فعلا حدث ذلك بموجب الأمر رقم 06-03 المؤرخ في 15 جويلية 2006 المتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية .
ب- من حيث طبيعة النظام القضائي :
لقد تغيرت طبيعة النظام القضائي الجزائري الذي كان يوصف بالنظام القضائي الموحد منذ 1965 ، إلى نظام قضائي مزدوج بعد التعديل الدستوري لعام 1996 ، فلقد حدثت النقلة النوعية سنة1996 بمناسبة التعديل الدستوري ، بحيث نص هذا الدستور على إنشاء مجلس الدولة الجزائري كأعلى هيئة قضائية إدارية.
و تكريسا و تطبيقا لذلك ، صدر القانون العضوي 98-01 المؤرخ في 30 ماي 1998 المتضمن اختصاصات مجلس الدولة و تنظيمه و عمله ، كما صدر القانون 98-02 المؤرخ في التاريخ نفسه المتضمن المحاكم الإدارية ، و توج هذا الإصلاح الإداري بالإعلان عن إنشاء محكمة تنازع الاختصاص و هذا بموجب القانون العضوي رقم 98-03 ، ثم تنصيب المحاكم الإدارية في سنة 2011 و شملت سنة 2016 37 محكمة على مستوى التراب الوطني.