النظرية البنائية في العلاقات الدولية
1. تعريف النظرية البنائية
- تعريف النظرية البنائية
تشتق كلمة البنائية (Constructivism) من البناء (Construction) أو البنية (Structure) بمعنى الطريقة التي يقام بها مبنى ما.
ولا يبعد هذا كثيرا عن أصل الكلمة في اللغة العربية، فالبنائية من البَنّاءُ أو البِنية، بَنَى البَنّاءُ بِنَاءً وبُنىً وبِنْيَةً وبُنْيَةً، وبِنْيَةُ الشيء هي تكوينه وهي تعني أيضا هيئة البناء، أي الكيفية التي شيد على نحوها هذا البناء أو ذاك، فهي تستعمل مجازا في معان كثيرة تدور حول التأسيس مثل: بنى مجده، وبنى مستقبله...إلخ.
وقد استخدمت من البنائية في الاستخدام العربي القديم أيضا للدلالة على التشييد والبناء والتركيب واستخدم هذا الأصل في القرآن الكريم نفيا وعشرون مرة على صورة الفعل "بنى" أو الأسماء "بناء" و "بنيان" و"مبنى".
وتشير كلمة "بناء" عند رادكليف براون (Radcliffe Brown) إلى وجود نوع من التنسيق أو الترتيب بين الأجزاء التي تدخل في تكوين الكل الذي نسميه بناء، وعلى هذا الأساس يكون للمقطوعة الموسيقية بناء والجملة بناء وللبنائية أيضا بناء، ذلك لأن ثمة علاقة وروابط معينة بين هذه الأجزاء التي تؤلف الكل وتجعل منه بناء متماسكا ومتمايزا، فالبناء حسبه يشيد إلى وجود نسق عام، أهم ما يتصف به هو عنصر النظام.
أما البنية فهي ذلك الكل المكون من ظواهر متماسكة، يتوقف كل منها على ما عداه، ولايمكنه أن يكون هو إلا بفضل علاقته بماعداه.
وقد ظهرت البنائية (Constructivism) كنظرية في العلاقات الدولية في نهاية الحرب الباردة أواخر عقد الثمانينات من القرن العشرين.
ويعد نيكولاس أوناف (Nicholas Onuf) أول من استعمل مصطلح "البنـائية" في حقل العلاقات الدولية في كتابه (World of Our Making) عام 1989، إضافة إلى مقال ألكسندر وندت (Alexender Wendet) الصادر عام 1992 بعنوان: «الفوضى ما تصنعه منها الدول: البناء الاجتماعي لسياسة القوة».
« Anarchy is what states make of it : the social construction of power politics»
والذي يلقب بأب البنائية لما قدمه من إسهامات في تطوير موقف التفسيريين الاجتماعيين (Social constructivst)، كما مثلت كتاباته مرجعية لدراسة السياسة الدولية.
وقد ساهمت نهاية الحرب الباردة في إضفاء الشرعية والمصداقية على النظرية البنائية، لأن الواقعية والليبرالية أخفقتا في استباق هذا الحدث كما أنهما وجدتا صعوبة كبيرة في تفسيره، بل والأكثر من ذلك
فشلتا في شرح التغير الشامل في المنظومة الدولية، بينما تمتلك البنائية تفسيرا له، خصوصا ما يتعلق بالثورة التي أحدثها ميخائيل غورباتشوف في السياسة الخارجية السوفياتية باعتناقه أفكار جديدة كالأمن المشترك.