المحاضرة الثانية

1. تمهيد

تعتبر الرياضيات أكثر العلوم دقة وأسبقها اكتمالا ونضجا،ولا مراء في أنه تعتبر نموذج اليقين والصدق والمعيار الذي تحاول كل العلوم الحذو وفقها والسير على خطاها،فلقد ظل العلم الرياضي منذ أن وجد ولا يزال العلم المثالي للتفكير الإنساني والنموذج الأكمل للمعقولية والدقة واليقين،وهذا يعود إلى طبيعة لغتها المضبوطة من جهة ،وصرامة منهجها الذي تقوم عليه من جهة أخرى،هذا الأخير الذي اعتبره ديكارت المنهج الأنسب والأمثل للبحث عن الحقيقة وأراد من خلاله إقامة مشروعه المعرفي لبناء علم شامل ينزع إلى تحصيل الحقائق في صورة واضحة ومتميزة.

  ولقد عرفت الرياضيات في تطورها عدة مراحل ساهمت في تقدمها من جهة وانبثاق الكثير من المفاهيم والأفكار الفلسفية من جهة ثانية ،ما أدى إلى ضرورة دراسة نقدية لهذا التطور وما نتج عنه،فولدت بذلك فلسفة الرياضيات.

   تعرف فلسفة الرياضيات على أنها دراسة تحليلية نقدية للمفاهيم والطرق المعرفية والمنطقية فيها،ولمنهج البحث الذي تعتمده،ومن هنا يتوضح الفرق بين الرياضيات وبين فلسفة الرياضيات من ناحية التحليل الذي تقوم به هذه الفلسفة على موضوعات العلم الرياضي،فعملية التحليل لقضية رياضية هي إجراء يقع خارج حدود العلم الرياضي إلا أنه متعلّق به،فهي فلسفة له[1].

  يمكن التمييز في الرياضيات بين مرحلتين:إحداهما كلاسيكية والأخرى معاصرة،تتميز كل مرحلة منهما بجملة من الخصائص والمميزات وظهور جملة من المقولات والأفكار تختلف عن المرحلة الأخرى،إلا أنهما ساهمتا في تطور الفكر الرياضي وتقدمه بشكل أو بآخر،حيث تعتبر المرحلة الكلاسيكية القاعدة التي بنيت عليها المرحلة الحديثة في الرياضيات،ولا يمكن فهم مسار هذا التطور إلا بتحليل الضوء عليها،لذا فالإشكال المطروح:ما خصائص العلم الرياضي الكلاسيكي؟وكيف ساهمت في تطور الفكر الرياضي بمختلف مراحله؟



[1]  فلسفة العلم ومنطق البحث العلمي:ص147.