الواقعية الكلاسيكية في العلاقات الدولية

2. الإفتراضات الأساسية للواقعية الكلاسيكية

     يرى كل من بول فيوتي (Paul R Viotti) ومارك كويبي(Mark V.kauppi) أن الواقعية تقوم على أربع افتراضات أساسية: 

أ- الدول هي الفاعل الأول أو الأكثر أهمية فالدول تمثل وحدة التحليل الأساسية، فمنذ توقيع "معاهدة واستفاليا" 1648 التي أنهت وجود الإمبراطورية الرومانية وأنهت شتات الدول المدن والمقاطعات الصغيرة التي تناثرت بالمئات على الجغرافيا الأوربية أصبحت الدولة القومية هي الوحدة الأساسية على المستوى الدولي وما عداها من منظمات وشركات ومؤسسات وأفراد لا تلعب إلا دورا هامشيا وثانويا.

   فالواقعيون يؤكدون على أن الدولة القومية ستستمر بشكلها الحالي إلى أمد غير منظور، وذلك ليس بسبب عجز الإنسان عن ابتكار كيان سياسي آخر، وإنما بسبب وجود الدولة القومية ذاتها، التي تشكل عقبة تشل محاولة لابتكار بديل عنها.

   وبالتالي سواء تعامل الواحد منا مع دولة المدينة في اليونان أو الدولة الوطنية الحديثة، فإن دراسة العلاقات الدولية هي دراسة العلاقات بين هذه الدول.

ب- ينظر إلى الدول كفواعل موحدة (Unitary Actors)، بحيث أن الواقعيين- لأغراض تحليلية ينظرون إلى الدولة ككتلة واحدة فالدولة عندهم تواجه العالم الخارجي كوحدة مندمجة،وليس كأطراف مجزأة والحكومة تتحدث بصوت واحد نيابة عن الدولة ككل، فهم يفترضون أن الدولة تتبنى سياسة واحدة في أي وقت وعلى أي قضية، مع وجود حالات استثنائية في بعض الأوقات، غير أن ذلك حسب الواقعيين لا يلغي القاعدة المؤكدة للفكرة العامة حول الدولة كوحدة مندمجة وفاعل موحد.

ج- الدولة فاعل عقلاني(Rational Actor)، فالدول أو صانع القرار في الدولة حسب الواقعيين تتصرف بشكل عقلاني ورشيد، فهي تنتهج سياسة عقلانية في رسم أهداف السياسة الخارجية والوسائل المتاحة لتحقيقها وأهم البدائل المتاحة  أمام صانع القرار مع اخذ قابلية وقدرات الدولة نفسها في الاعتبار،أي أن الدولة تسعى إلى غاياتها بطريقة عقلانية، لأنها ستقيس المخاطر والفرص والتكاليف والعوائد، وتبحث عن تحقيق أهداف مصلحتها القومية بغض النظر عن شكل حكوماتها ونظامها الاقتصادي.

د- يفترض الواقعيون أن الأمن القومي يحتل قمة أولويات القضايا الدولية، فأنصار هذه المدرسة ينظرون عادة  إلى القضايا العسكرية والأمنية والإستراتيجية باعتبارها قضايا السياسة العليا (High Politics) بينما يرون القضايا الاقتصادية والاجتماعية باعتبارها قضايا السياسة الدنيا الروتينية والأقل أهمية (Low Politics) لذلك نجد أن القوة هي المفهوم الأساسي بالنسبة للواقعيين.

    أما فيما يخص افتراضات الواقعيين حول طبيعة السياسة الدولية نجد أن الواقعية ترفض حجة النموذج المثالي بأن العلاقات الدولية تستند في جوهرها إلى التعاون والانسجام بين أعضاء المجتمع الدولي، فهي ترى بأن الدول تتعارض مصالحها إلى درجة تقودها إلى الحرب، لذلك تشدد من ناحيتها على التنافس والصراع والفوضى التي تعم العلاقات الدولية.

   فهي تنظر إلى المجتمع الدولي والعلاقات الدولية على أنها صراع مستمر نحو زيادة قوة الدولة واستغلالها بالكيفية التي تمليها مصالحها أو إستراتيجيتها بغض النظر عن التأثيرات التي تتركها في مصالح الدول الأخرى.

فمورغانتو يُحَاجِ بأن "السياسات الدولية... مثل كل سياسة هي صراع من أجل القوة، وهو يوضح الفروقات النوعية لهذا الصراع بين السياسات الدولية والداخلية حيث في هذه الأخيرة الدولة قادرة على عرقلة سعي الأفراد

    للبحث عن القوة بطريقة أقل عنفا، لأنها تتميز باكتمال والتضامن والتكامل بين أعضائها وهي مزودة بأجهزة وسلطات واضحة (السلطات الثلاث) بالإضافة إلى وجود قوات عسكرية وشرطة وقدرة في التوجيه السياسي يسمح لها بحسم النزاعات الداخلية وتحقيق الغلبة للوحدة الوطنية بينما المجتمع الدولي أو عالم السياسة الدولية يفتقر إلى كل ذلك.

    لذلك تفترض الواقعية بشكل عام أن السياسة الدولية تتميز بالفوضى (Anarchy)، طالما أنه لا توجد حكومة عالمية تسيطر على جميع الدول لتطبق عليهم قواعد عامة ولهذا فإن ظاهرة الحرب والصراع في السياسة الدولية ظاهرة طبيعية.

  فعدم وجود سلطة فوق قومية تمنع استخدام العنف بين الدول تدفع الدول كل على حدة لتكون لنفسها قوة تدافع

. بها عن نفسها من جهة وتتوسع في تحقيق مصالحها القومية إن وجدت فرصة لذلك

فسلوك الدولة حسب الرؤية الواقعية هو مجرد امتداد للسلوك الإنساني فسعي الدول لامتلاك القوة نابع من سعي الإنسان لامتلاكها والإنسان يبحث عن القوة إما بوصفها غاية أو وسيلة . لذلك إن لم تبحث الدولة عن القوة في سبيل غاياتها فإنها سوف تبحث عنها للحفاظ على الذات.