الرقابة على دستورية القوانين
2. المبحث الثاني : الرقابة القضائية
مما لا ريب فيه اسناد مهمة التحقيق من مدى مطابقة القوانين المخالفة للدستور الى القضاء يحقق مزايا عديد لم تتوافر من قبل في حالة تولي هيئة سياسية لهذه المهمة.
اذ تتوافرفي رجال القضاء وضمانات الحيدة والموضوعية,والاستقلال وفي مباشرة وظيفتهم من ناحية كما انهم من ناحية اخرى مؤهلين بحكم تكوينهم للضطلاع يمهمة فحص القوانين للتعريف على مدى موافقتها لاحكام الدستور.
واخيرا ,تضمن رقابة القضاء للافراد حرية التقاضي ,وحق الدفاع ,وعلانية الجلسات ,مما يجعلها رقابة فعالة , وحقيقة .
ولهذا فان كثير من دول قد اخذت بطريقة الرقابة القضائية على دستورية القوانين , غير ان هذه الدول لم تتفق على اسلوب واحد في هذا الشان , فمنها مايجعل الرقابة الدعوى الاصلية ,ومنها ما يسمح بهذه الرقابة بواسطة الدفع الفرعي بعد الدستورية وعلى هذا الاساس يتعين علينا ان ندرس هذين الاسلوبين.
ويقصد بالرقابة القضائية لدستورية القوانين تلك التي تتولى القيام بها هيئة لا تختص فقط بالنظر في مدى تطابق القرارات الادارية للقانون وانما تتعدى ذلك الى مراقبة مدى مطابقة القانون الدستوري.
أ- الرقابة القضائية عن طريق الدعوى الاصلية :
Juridiction spéciale ou contrôle par voie d'action:
تحدث الرقابة عن طريق الالغاء او دعوى الاصليةعندما يقوم صاحب الشان المتضرر من قانون معين بالطعن فيه مباشرة امام المحكمة المختصة طالبا الغاه لمخالفته للدستور,دون ان يتظر تطبيق القانون عليه في دعوى من الدعاوي القاضية.
فاذا ما اذا ما ثبت في المحكمة المختصة ان القانون المطعون فيه مخالف للدستور ,فانها تحكم بالغائه بحيث يسري هذا الحكم في مواجهة الكافة , واعتبار القانون المحكوم بالغائه كان لم يكن , او انهاء حياته بالنسبة للمستقبل طبقا لاحكام الدستور
التي تنظم الرقابة واذا كانت الرقابة السياسية سابقة على صدور القانون, فان الرقابة القضائية تكون في الغالب لاحقة على صدوره,ولكنها قد تكون سابقة على صدور القانون , وقد تكون لاحصة على هذا الاصدار وهذا هو الغالب .
وهذا يعني انه من الممكن ان تباشر الرقابة القضائية عن طريق الدعوى الاصلية على مشروعات القوانين , كما تمارس على القوانين النافذة بعد صدورها.
واذا كانت معظم الدساتير تفتح باب الطعن امام الافراد بعد الدستورية طالما توافر شرط المصلحة في الدعوى,فان بعضها فتح الباب على مصراعيه امام طعون الافراد بعد دستورية القوانين دون اشتراط مصلحة خاصة جدية في الطعن , اي حتى ولولم يكن هناك ضرر من تطبيق القانون قد وقع على الطاعن .
وبذلك , تتميز طريقة الرقابة القضائية عن طريق الدعوى الاصلية بانها دعوى مبتدئة يقوم صاحب الشان بتوجيهها بصفة مستلقة ضد قانون معين للحكم بالغائه نظرا لمخالفته للدستور .كما انها دعوى مباشرة تهاجم قانون بطريق مباشر ناعية
عليه خروج على احكام الدستور .
ومن ناحية ثالثة,تتميز هذه الطريقة بانها دعوى موضوعية , وذلك على خلاف القاعدة العامة في الدعاوي القضائية وهي كونها شخصية . وذلك لانالطاعن لا يختصم خصما معينا , وانما يرف دعواه ضد قانون معين.
واخيرا , تتميز الرقابة القضائية عن طريق الدعوى الاصلية بالحسم والفاعلية ,
اذا يتم حسم النزاع حول دستورية القانون مرة واحدة وبشكل نهائي بحيث يقفل الباب في المستقبل اما اية دعوى اخرى قد تثور بشان الحالات الفردية التي يحكمها هذا القانون الذي فاصلت المحكمة المختصة بشان دستوريته , وهذا يؤدي الى تحقيق الوحدة القانونية في الدولة .ونظرا لاهمية هذه الطريقة , فان الاتجاه الغالب في الدول التي تاخذ بها هو جعلها مركزية اي تركيز سلطة البت في دستورية القوانين
في يد محكمة واحدة دون بقية المحاكم في الدولة .
غير ان الدساتير التي قررت مركزية الرقابة تختلف فيما بينها بالنسبة للجهة التي يعهد اليها بهذه المهمه ,فمنها ما جعل هذا الاختصاص للمحكمة العليا في النظام القضائي العادي , ومنها ما اناط هذه المهمة بمحكمة دستورية متخصصة .
تطبيقات هذه الرقابة:
يعمل بهذه الطريقة في كل من المانيا ,اسبانيا والبرتغال(محكمة دستورية) ومجلس دستوري (قضائي cour constitutionnelle) في كل من النمسا وايطاليا
ب- الرقابة القضائية عن طريق الدفع Contrôle par voie d'exception:
يمارس القضاء الرقابة على دستورية القوانين بطريق الدفع,بمناسبة دعوى مرفوعة امامه ,ويطلب فيها تطبيق قانون معين , فيدفع احد اطراف الدعوى بعدم تطبيق هذا القانون في الدعوى لعدم دستوريته .
وفي هذه الحالة يتصدى القاضي لفحص دستورية هذا القانون,فاذا تبين له عدم صحة الدفع , فانه يطرح جانبا ويحكم في النزاع طبقا لهذا القانون .
اما اذا تاكد من مخالفة القانون لاحكام الدستور,فانه يمتنع عن تطبيقه , ويفصل في الدعوى على هذا الاساس .
يتضح لنا مما تقدم ان الرقابة القضائية عن طريق الدفع وسيلة دفاعية من جانب صاحب الشان , حيث يتم الدفع بعدم دستورية القانون في اثناء نظر الدعوى , وليس برفع دعوى اصلية ضد هذا القانون .
كما ان هذا الطريق هو طريق غير مباشر او فرعي , ولهذا يطلق الفقه عليه الرقابة القضائية عن طريق الدفع الفرعي .
ويسطيع صاحب الشان ان يدفع بعد دستورية القانون في اثناء نظر الدعوى التي يراد فيها تطبيقه , بصرف النظر على المدة التي انقضت بين صدور القانون والتقدم بالدفع .
وينتج عن تقديم الدفع ان تتصدى المحكمة للفصل فيه وحسم الامر باعلان دستورية هذا القانون او عدم دستوريته بحيث تمنع عند تطبيقه اذا ما ايقنت بمخالفته لدستور ولذا تسمى الرقابة عن طريق الدفع برقابة الامتناع .
وبذلك تنحصر سلطة المحكمة في الامتناع عن تطبيق قانون المدفوع بعدم دستوريته اذا ما اتضح لها صحة هذا الدفع وليس لها ان تحكم بإلغائه.
ويحوز الحكم الصادر من المحكمة على حجية النسبية المقصورة على موضوع النزاع المطروح امامها , ولا يسري على اية دعاوي اخرى .كما ان امتناع المحكمة عن تطبيق هذا القانون لا يؤثر على المحكام القضائية الاخرى , ولا يمنعها من تطبيق ذات القانون على منازعات اخرى . بل ان المحكمة التي امتنعت عن تطبيق القانون لاقتناعها بعدم دستوريته لا تتقيد برايها هذا , بحيث يجوز لها ان تطبقه في دعوى اخرى لاحقة اذا ما رات انه قانون دستوري , حتى ولو اتحد الخصوم في الدعوتين.
والقول بهذا لا يعني ان تلك المحكمة ملزمة بالتقيد باحكامها , بل لها حرية في الحكم مرة اخرى في الحكم مرة اخرى بدستورية ذلك القانون الذي قضت عدم دستوريته في حكمها الاول وكلذلك الشان بالنسبة للمحاكم الاخرى فانها ليست مقيدة باحكام المحاكم او باحكامها الا اذا كان الحكم صادرا من المحكمة الاتحادية العليا وبطبيعة الحال فان الرقابة عن طريق الدفع تبثت لجميع المحاكم في النظام القضائي على اختلافدرجاتها وانواعها .
ويحدث الالتجاء الى الرقاب القضائية على دستورية القوانين عن طريق الدفع في حالة سكوت الدستور عن طريق الدعوى الاصلية .
تطبيقات الرقابة القضائية عن طريق الدفع:
ظهرت طريقة الرقابة على دستورية القوانين عن طريق الدفع في الولايات المتحدة الامريكية , ومنها انتشرت في العديد من دول العالم .
فإزاء الدستورالامريكي عن تنظيم رقابة قضائية على دستورية القوانين , قررت المحكمة الاتحادية العليا . للولايات المتحدة حقل القضاء في فحص دستورية القوانين في حكمها الشهير فيقضية مابوري Marbury ضد ماديسون Madison برئاسة القاضي مارشال Marshall سنة 1803 وقد كانت لقضية ماربوري ضد ماديسون ودور القاضي مارشال في معالجة المشاكل القانونية التي انطوت عليها الدعوى عميق الاثر في اتجاه القضاء الامريكي بحيث صارت المحكام الاخرى على مسكل الاتحادية العليا واصبحت هي الاخرى تمارس الرقابة على دستورية القوانين.
ويرى الكثير من الفقهاء ان المحكمة العليا اسرفت في فرض رقابتها على دستورية القوانين الصادرة من الكونجرس الامريكي الى الدرجة التي اثارت ضدها السلطتين التشريعية والتنفيذية حتى انها وقفت ضد برنامج الاصلاح الذي تقدم به الرئيس روزفلت في الثلاثينيات .
وهذا ما جعل بعض الفقهاء يطلقون عليها "حكومة القضاء " Le gouvernement des juges
وعلى القاضي مارشال رئيس المحكمة العليا "المؤسس الثاني للدستور"
Président de la le second fondateur de la constitution. (John Marshall de 1801 a 1835,cour supreme pendant 34 ans)
قضية ماربوري ضد ماديسون : Marbury/Madison
يعتبر جون مارشال بحق اول من ارسى مبدا الرقابة على دستورية القوانين وثبته ودعمه بحيث اصبح منذ حكم "ماربوري ضد ماديسون" حجر الزاوية في البناء الدستوري للولايات المتحدة الامريكية , وقد ضاع حكمه في عبارات غاية في الوضوح والاحكام بحيث لم تعد سلطة المحكمة في الرقابة منذ هذا التاريخ محل شك .
القضية وواقائعها اما المحكمة العليا:
اعد الاتحاديون برنامجا متكامل للسيطر على السلط القضائية, فاصدر الكونجرس في عام 1801 قانونا جديدا لتنظيم هذه السلطة , وتضمن انشاء ست محاكم اقليمية جديدة واقتضى هذا الانشاء تعيين ستة عشر قاضيا للعمل بها كما خول الكونجرس لرئيس الجمهورية او يعين عددا اخر من قضاة المحاكم الجزئية , وقبل ان تنتهي فترة رئاسة Jhon Adams سارع بتعيين اثنين واربعين قاضيا للصلح لمقاطعتي "واشنطن"و"الاسكندية"
في اقليم كولومبيا , وقد اقر مجلس الشيوح الاتحادي هذه التعيينات ووقعت القرارات وختمت بخاتم الدولة , ثم انها لم تكن قد سلمت لاصحابها بعد .
وعندما تم تنصيب jefferson رئيسا للجمهورية امر Madison باعتباره وزيرا للخارجية , بتسليم قرارات التعيين لخمسة وعشرين شخصا ممن عينهم Adams , وان توقف القرارات الخاصة بالسبعة عشر الباقين.
وكان من بين هؤلاء وليم ماربوري ودينس رامزي, وروبرت تاو نسندهو,ووليم هاربر , ولجأ هؤلاء الاربعة الى المحكمة العليا بدعوى يطالبون باحقيتهم في تعيين واصداره امرها الى ماديسون بتسليم اوامر التعيين بناء على سلطتها في اصدار هذه الاوامر.
وعندما عرض التماس "Marbury" وزملائه على Marshal قضى باختصاص المحكمة بنظره .
وفي ديسمبر 1801 , اصدر امره الى Madison بان يذكر للمحكمة في دورها المقبل, اسبابا تسوغ عدم امرها بتنفيذ طلبات المدعى, لكن سرعان ما الغي الكونجريس هذا الدور المقبل للمحكمة, وعندما انعقدت المحكمة في فبراير1803 كانت القضية مازالت معلقة.
وقد احست المحكمة ازاء هذه القضية بالخطر والحرج, فهي ان قضت للمدعين بطباتهم,اضطرت الى ان تواجه احتمالا ينال من مكانتها,اذ المتوقع ان يرفض Marbury
تنفيذ الامر , فضلا عن ان الجمهوريين قد هددوا صراحة بطرد Marshal وزملائه من المحكمة ان صدر حكمها لصالح Marbury , وعلى الجانب الاخر فان المحكمة ان رفضت طلبات المدعين, اظهرت نفسها بمظهر العاجز عن رقابة تصرفات الحكومة , وخيبت الامال التي عقدها الاتحاديون عليها .
في هذا المأزق الضيق تجلت براعة Marshal وقدرته القانونية والسياسية معا فلا هو قضى ل Marbury بتسلم قرار تعيينه ولا هو سلم للادارة بحقها في الامتناع عن هذا التسليم .
القضية وتناول Marshal لها:
بدا Marshal نظره للقضية مقررا انه سيتتبع نقاط الموضوع التي اثارها الدفاع وفق الترتيب الذي قدمت به . وكان اول سؤال ابتدأ به القضية هو هل للمدعين حق في الحصول على قرارات تعيين ? ثم قال ان هذا يتوقف على ما اذا كان Marbury قد عين في الوظيفة , فاذا كان الامر كذلك , اصبح الحصول على القرار من حقه.
وبعد ان يضرب Marshal قاضي القضاة العديد من الامثلة التي يدل من خلالها على ان حبس قرار تعيين يعتبر انتهاك للقانون, يصل الى ان مسالة تحديد ما اذا كان الحق من الحقوق المقررة ام لا , بطبعتها مسالة قضائية تفصل فيها المحكام , ومن ثم فان للمحكمة الحق في ان تصدر قرارها في هذا الموضوع , فتعتبر رفض Madison تسليم Marbury قرار تعيينه , انتهاكا واضحا لهذا الحق , وكلف قوانين البلاد علاجا له , لكن هل العلاج هو اصدار الامر الذي يطلبه Marbury ? فاجاب marshal على ذلك بالايجاب , لكن هلة يكمك توجيه مثل هذا الامر الى وزير الخارجية? لاحظ Marshal منذ الوهلة الاولى ان هناك من سيعتبر ان هذا الامر من قبل المحكمة محاولة لتدخل في اعمال مجلس الوزارة , والمسالة بطبعتها سياسية , ولا يمكن ان تثار في المحكمة , لكن اذا كانت القضية لاتمثل الا مسالة متعلقة بالحقوق القانونية لاحدة الافراد فاي شيئ في المركز الرفيع لوزير الخارجية يمكن ان يعفيه من ان يزعم على اكاحة حكم القانون , وهكذا وصل Marshal الى النهاية ولم يبقى امامه سوى مسالة واحدة هي : حق المحكمة العليا في اصدار مثل هذه الاوامر على عرائض ؟
هنا يصل Marshal الى الغاية التي ارادها منذ البداية, والتي اراد ان يؤكدها ويدعمها حتى يستقر الامر فيها , وتصبح خارج مجال المنازعة " وهي البحث في دستورية قانون القضاء" .
فقرر اذ انه لم يكن من سلطة المحكمة ان تصدر امر على عريضة الى Madison , فلبد ان يكون مرجع ذلك ان القانون غير دستوري ومن ثم فهو عاجز تماما عن منحها هذه السلطة .
ويتسأل قاضي القضاة "هل يمكن ان يصبح قانون يتعارض مع الدستور قانون للبلاد؟"
ثم ياتي للتساءل المهم : هل تستطيع المحكمة العليا للولايات المتحدة ان تبطل قانونا اصدره الكونجرس وصادق عليه رئيس الجمهورية? وصرح ماشال ان المحكمة العليا تستطيع, بل يجب ان تفعل ذلك , وكان مارشال في غاية الوضوح والبساطة عند بيان ذلك.
وبعد ان يستطرد مارشال ويضرب الامثلة الايضاحية على مخالفة القانون للدستور , يتنهي القول بان : "اي قانون يتعارض مع قانون يكون باطلا وان الهيئة القضائية كغيرها من الهيئات الاخرى مرتبطة بالدستور , ولهذا يتعين الحكم برفض مربوري ومن معه".
والحقيقة ان طريقة الدفع بعدم دستورية القوانين ليست الاجراء الوحيد بل هناك وسلتين ايضا يستطيع بموجبها الافراد الطعن في دستورية القوانين اما المحكمة الامريكية وهما :
الرقابة عن طريق الامر القضائي:
ساد هذا النظام في انجليترا وكانت تمارسه محكمة مستشار الملك لتصحيح اوضاع ظالمة, فيصدر المستشار امرا قضائيا استناد الى مبادئ العدالة بتصليح ذلك الظلم , وامتدت الى الولايات المتحدة الامريكية اثناء الاستعمار , وبعد الاستقلال استمر العمل به حيث اختصت المحكمة العليا والمحاكم الاتحادية باصدار الاوامر القضائية عندما يتقدم احد الافراد الى المحكمة طالبا منها وقف تنفيذ قانون من شان تنفيذه المساس بمصلحته استناد الى انه مخالف للدستور عندما تنظر المحكمة في طلبه , فان اتضح لها القانون غير دستوري اصدرت امرا الى الموظف بعدم تطبيقه وهو ملزم بذلك الامر والا عد مرتكبا لجريمة تدعى بجريمة احتقار المحكمة .
الا ان النتائج التي تترتب عنها الاوامر القضائية وخاصة في مجال تطبيق القوانين والاسراف في الرقابة قد ادت الى تقليص دورها .
ان تزايد عدد اوامر المنع , حذا بالمشرع الا ان يتدخل وينظم مثل هذه الاوامر في سنة 1910 , بحيث اصبح الاختصاص باصدار اوامر المنع مقصورا على محكمة اتحادية خاصة تتالف من ثلاث قضاة , ويجوز طعن في الاحكام الصادرة منها امام المحكمة الاتحادية العليا مباشرة , ولم يعد في وسع القاضي الاتحادي منفردا ان يصدر مثل هذه الاوامر مما افقدها الكثير من اهميتها .
الرقابة عن طريق الحكم التقرير :
ظهر هذا الاسلوب من الرقابة على دستورية القوانين اول الامر صنة 1918 ومؤدي هذه الطريقة ان الفرد يلجا الى المحكمة طالبا منها اصدار حكم يقرر مااذا كان القانون المراد تنفيذه عليه دستوري ام غير دستوري. والنتيجة الناجمة عن هذا الطلب هي توقف الموظف المختص عن تطبيق القانون الى ان تصدر المحكمة حكمها وعلى ضوئه عن تطبيق القانون ان كان دستوريا نفذه, اما اذا كان مخالفا للدستور فانه يمتنع عن تنفيذه تعتبر المحكمة العليا في الولايات المتحدة الامريكية , الحكم التقريري من قبل الاراء الاستشاري او الدعاوي الغير منتجة.
تقدير طريقة الدفع الفرعي :
تلخص الرقابة عن طريق الدفع تتميز بالمرونة من جهة ولا تخضع الا نادرا للاهواء السياسية كما انها لا تتعدى على اختصاصات السلطة التشريعية كما هو الحال في الرقابة عن طريق الدعوى الاصلية , اذ تتدخل المحكمة وتحكم بالغاء القانون ,فالرقابة عن طريق الدفع تقتصر على الامتناع عن تنفيذ القانون غير دستوري دون الحكم الى الغائه .
ومع ذلك ,فقد انتقدت هذه الطريقة على اساس انها تحل القضاة محل المشرع في تقدير مدى مطابقة القانون لاحكام الدستور, وقد يقف القضاء بنزعته المحافظة ضد التطورات التي تريد السلطة التشعريعية تطبيقها عن طريق القوانين .
وهذا ما حدث في الولايات المتحدة الامريكية في عهد الرئيس روزفلت في الثلاثينات من القرن الماضي.
ومن ناحية اخرى فان وضع مسالة الفصل في دستورية القوانين في ايدي جميع المحاكم على اختلاف درجاتها سيؤدي الى تناقض في الاحكام , وتضارب في الاتجاهات ,فقد تمتنع احدى المحاكم عن تطبيق قانون معين لعدم دستورية من وجهة نظرها, وفي حين تطبقه المحكام الاخرى علي اساس انه موافق لاحكام الدستور,وهكذا يتضح لنا سبق ان لكل طريقة من طريقتي الرقابة القضائية على دستورية القوانين مزاياها التي تماتز بها ,كما ان كلاهما وجهت اليه انتقادات معينة.
واذا كان من الصعب تفضيل طريقة على اخرى بشكل قاطع –فضل المرحوم الدكتور سعد عصفور رقابة الامتناع ورجحها على رقابة الالغاء , لا سيما في الدول التي تاخذ بنظام السوابق القضائية(المدائ الاساسية في القانون الدستوري والنظم السياسية , منشاة المعارف بالاسكندرية ص 182)-فان ذلك يرجع في تقديرنا الى ارتباط مسالة الرقابة على دستورية القوانين بظروف كل دولة, وانها تتوقف على عوامل تاريخية وسياسية وقانونية خاصة بكل دولة فقد دفعت ظروف فرنسا السياسية والتاريخية الى هجرها للرقابة القضائية بنوعيها, وتفضيل الرقابة السياسية عليها, وفي حين ساعدت ظروف الولايات المتحدة الامريكية على فرض المحكمة العليا لرقابتها دستورية القوانين بل واسرافها احيانا