المحاضرة الرابعة
3. الفيزياء عند غاليلو
يعتبر العالم الإيطالي الشهير غاليلو غاليلي(1546_1642) هو أول من أحدث القطيعة مع الفكر الفيزيائي القديم،وذلك بالتخلي عن المفاهيم والأسس والأساليب التي كان يقوم عليها،ليدشن بذلك طريقة جديدة في البحث تقوم على نظرة جديدة للطبيعة نظرة علمية فعلية.[1]
لقد أسس غاليللو العلم الفيزيائي فأرسى دعائم المنهج التجريبي ودشّن البحث في أهم فروعه التقليدية (الديناميكا أو علم الحركة-الحرارة-)وأسهم مساهمة كبرى في قيام الميكانيكا النظرية علاوة على كشوفه الفلكية
كانت نظرة غاليلو إلى الطبيعة نظرة مادية ،فالعالم مادة وحركة،والحركة خاضعة لقانون العطالة أو القصور الذاتي loi d’inertieحيث يقصد به أن "الحركة تسير بنفس السرعة،في نفس الاتجاه بسرعة مستقيمة منتظمة،مالم يكن هنالك ما يزيد فيها أ ينقص منها أو يغيّر من اتجاهها"،وهنا يمكن تحديد سقوط الأجسام.
أكد غاليلو أن نفس قوانين حركة العالم السفلي تخضع لها ظواهر العالم العلوي،وهنا يقضي غاليلو على التصور الكلاسيكي القديم الذي يقسّم العالم إلى قسمين:علوي وآخر فلسفي ،وهما عالمين مختلفين تمام الاختلاف عن بعضهما البعض.ولقد ناصر كوبرنيك Copernic(1473-1543) في أن الشمس هي مركز الكون وليست الأرض،وهي فكرة زعزعت التصورات القديمة[2]،ولقد أثبت غاليلو صحة هذه النظرة الكوبرنيكية تجريبيا بفضل ملاحظاته وكشوفه العلمية.
أدرك غاليللو أهمية تطبيق الرياضيات على البحث في ظواهر الطبيعة فجعل منها العمود الفقري لكل بحث علمي حقيقي،ويتجلى في أبحاثه وتجاربه وقوانينه التي حرص على التعبير عنها تعبيرا رياضيا،بل أيضا من إدراكه لأهمية الرياضيات فهي حسبه المفتاح الذي يحلّ ألغاز الطبيعة،حيث كتب يقول"يجب أن يكتب على غلاف مجموعة مؤلفاتي ما يلي:سيدرك القارئ بواسطة عدد لا يحصى من الأمثلة أهمية الرياضيات وفائدتها في الوصول إلى أحكام في العلوم الطبيعية ،وسيدرك أيضا أن الفلسفة
الصحيحة أي العلم الطبيعي مستحيلة بدون الاسترشاد بالهندسة".
لهذا يكون غاليلو قد شيّد علما جديدا لم يسبق إليه أحد ،إذ يقول"غايتي أن أضع علما بالغا في القدم،و قد لا يكون في الطّبيعة ماهو أقدم من الحركة التي وضع الفلاسفة فيها كتبا ليست قليلة ولا صغيرة"[3].وتكمن جدّة الطرح الغاليللي في طريقة التفكير ومنهج البحث ،حيث اهتم بالكشف عن العلاقات التي تربط بين الظواهر التي كانت مهملة من قبل،وتخلى بذلك عن الأسباب والتصورات الميتافيزيقية.
[1] محمد عابد الجابري:مدخل إلى فلسفة العلوم،مرجع سابق،ص 243،244.
الجابري:مدخل إلى فلسفة العلوم،مرجع سابق،ص245.[3]