مدرسة العلاقات الانسانية
المبحث الثالث : نظريات مدرسة العلاقات الانسانية
المطلب الأول: نظرية جورج التون مايو 1880-1948
الفرع الأول: التعريف بجورج التون مايو
التون مايو هو مؤسس مدرسة العلاقة الإنسانية في الإدارة التي كانت رد فعل لإهمال النواحي النفسية والاجتماعية عند العمال من قبل فايول و تايلور، ولهذا ركزت هذه المدرسة على الاهتمام بالإنسان كإنسان من خلال اتصاله وتفاعله مع الجماعة، وأثبتت بأن العلاقات الاجتماعية والعوامل النفسية لها دور كبير في زيادة الإنتاجية و هذا عبر عدد من التجارب عرفت بتجارب هاوثورن.
نبذة عن حياته
التون مايو هو عالم نفس و عالم إجتماع أسترالي، وُلد بمدينة اديليد بأستراليا يوم 26 ديسمبر سنة 1880 و توفي يوم 7 سبتمبر سنة 1949 في جيلفورد ببريطانيا. عمل كأستاذ مُحاضر بجامعة كوينزلاد من 1911 إلى 1923 ثم في جامعة بنسلفانيا ، لكنه قضى معظم حياته المهنية في مدرسة هارفاد للأعمال (1923-1947) أين عمل كأستاذ في البحث الصناعي.
أعماله
يُعتبر إلتون مايو مؤسسا لمدرسة العلاقات الإنسانية و هو مشهور بأبحاثه المتعددة، و بتجارب هاوثورن على وجه الخصوص التي أجراها في ثلاثينات القرن العشرين، و التي أظهرت أهمية تأثير المجموعات على السلوك الفردي للعمال. لقد حاول في البداية بحث سبل رفع الإنتاجية عبر سلسلة من التجارب، كتغيير ظروف الإضاءة في ورشات العمل مما سمح له باكتشاف أن إنتاجية العمال لا تتعلق بالعوامل المالية و المادية، بل تتعلق بعوامل اجتماعية، كالصداقة داخل محيط العمل، و بمدى شعور العمال بالأهمية.
لقد أسفرت هذه الدراسات على نتائج يمكن تلخيصها فيما يلي :
العمل الصناعي هو عمل جماعي، فالعامل ليس كائناً فردياً يسعى إلى إشباع غاياته الأنانية، إنما يستمد كثيراًمن مقوماته الذاتية من الجماعات غير الرسمية في المنشأة، وذلك في معظم مجالات العمل الصناعي، وتؤدي هذه الجماعات دوراً مؤثراً في حياة العامل، وخاصة فيما يتعلق بالإحساس بالأمن وأنماط السلوك الصادرة عنه، والقدرة على الأداء والإنتاج وغير ذلك.
يساعد الاهتمام بالعامل واحترامه وتقديره كثيراً على تعزيز حوافز الإنتاج في العمل، فقد أدى الاهتمام الخاص الذي وجدته الجماعات المبحوثة طوال سنوات الدراسة إلى زيادة الإنتاجية، فالتقدير والاحترام يشبع حاجات العامل إلى الأمان والاستقرار كما يؤدي إلى ارتفاع الأجور.
إن الشكوى والتذمر والقلق الذي يظهر في حياة العمال يعكس في حقيقة الأمر مواقف شخصية أو اجتماعية مختلفة، وهي ليست حقائق في حد ذاتها، إنما أعراض ودلائل على مسائل أخرى.
الفرع الثاني: تجارب التون مايو
تعتبر محاولة إلتون مايو ( Elton Mayo) وأعوانه في التجارب المعروفة بإسم تجارب هوثورن والتي أجريت في شركة وسترن إليكتريك (Western Electric) بمصنع (Howthorne) بمدينة شيكاغو أولى المحاولات المكثفة لدراسة أثر العوامل المادية للعمل على الكفاية الإنتاجية للعاملين ،وقد بدأت هذه التجارب بمحاولة ترامي إلى اختبار العلاقة بين كثافة الإضاءة والكفاية الإنتاجية للعاملين. وتمثلت في معرفة :
*/ الإضاءة وتأثيرها على إنتاجية العمل.
*/ ساعات العمل وطول فترات الراحة وإنتاجية العمل.
*/ الصداقة داخل محيط العمل وتأثيرها على الإنتاجية.
*/ الحافز المادي وأثره على الإنتاجية.
*/ مقابلات شخصية استهدفت دراسة اتجاهات ومشاعر العاملين.
فكانت نتائج التجارب مايلي
- ميل الأفراد العاملين في وحدة إنتاجية واحدة إلى تكوين تنظيمات غير رسمية فيما بينهم.
- تأثر تصرفات الأفراد داخل التنظيم بالإطار الذي ترسمه لهم الجماعة.
- أن الحوافز المعنوية تقوم بدور حيوي في تحفيز الأفراد للعمل.
- إن طاقة الفرد للعمل لا تتحدد طبقاً لطاقته الفسيولوجية وإنما أيضاً طبقاً لطاقته الاجتماعية من حيث شعوره بالرضا والتفاهم القائم بينه وبين رؤسائه من ناحية، ودرجة التعاون مع زملائه في العمل من ناحية أخرى.
- دور القيادة غير الرسمية في التأثير على سلوك الأفراد داخل التنظيم من حيث تكوين الجماعات ونمط العلاقات بينهم.
وباختصار، فإن أبحاث وسترن إليكتريك تعد في الواقع بمثابة عودة التفكير السليم إلى علاقات العمل، ويرجع ذلك للأسباب التالية:
1-إن هذه التجارب قد أثرت الفكر الإداري بعدد من الفروض والآراء والأفكار التي أسهمت في دراسة وتفهم المواقف الإنسانية والسلوكية في محيط الأعمال.
2- أن هذه التجارب قد مهدت السبيل لظهور منهج جديد في التفكير، وهو المنهج السلوكي الذي يمكن من خلاله اكتشاف المشكلات الإنسانية المعقدة والتعرف على أساليب علاجها.
3- أن هذه التجارب قد ساعدت في إلقاء الضوء على المتطلبات الأساسية الواجب توافرها لخلق التعاون الفعال بين الإدارة والعمال، فالعمال ليسوا أفراداً منعزلين بعضهم عن بعض الآخر ولا يمكن النظر إليهم كوحدات متفرقة، فهم يشكلون جماعة واحدة، وبتعاونهم وتضافرهم وحماسهم في عملهم يتحقق الهدف الذي يسعى إليه التنظيم.
ومن هذا المنطلق. يتضح أن دراسة إلتون مايو تعتبر أول دراسة تعنى بالسلوك الإنساني في التنظيم كما تعتبر في الوقت نفسه أولى المحاولات العلمية الجادة والعملية لتفسير أثر السلوك الجماعي على محيط العمل وضرورة مراعاة الإدارة للعنصر البشري ليس فقط من النواحي المادية، وإنما أيضاً من النواحي النفسية والاجتماعية، فقد أسهمت هذه التجارب في نشر الاهتمام بالعلاقات الإنسانية في مجال العمل، مما أدى إلى كثير من أنواع التغيير في الممارسة الإدارية خلال الثلاثينات من هذا القرن ومن الآثار العلمية نذكر ما يلي:
:
- ظهرت لأول مرة إدارة مهمة في المشروعات تسمى " إدارة الأفراد والعلاقات الإنسانية" تتولى الاهتمام بحسن استخدام الموارد البشرية المتاحة والعمل على رفاهيتها وحل مشكلات العاملين، بل وصل الأمر إلى حد وجود أقسام للتحليل النفسي داخل هذه الإدارات.
- بدأت الإدارة العامة والخاصة تعترف بحق العاملين في الحصول على إجازات سنوية وبدأت ساعات العمل الأسبوعية تنخفض تدريجياً حتى وصلت الآن إلى أربعين ساعة أسبوعياً في معظم دول العالم.
- بدأ الاعتراف بحقوق العمال في الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية فتقررت وجبات العاملين "خاصة في المصانع والمناجم" وساعة للراحة وتقرر علاج العاملين مجاناً ورعايتهم صحياً والتأمين عليهم .
- بدأ تدريب الرؤساء والمشرفين على مراعاة أصول العلاقات الإنسانية والمعاملة الحسنة للعاملين معهم حتى ترتفع روحهم المعنوية وتزيد قابليتهم للتعاون.
المطلب الثاني: نظرية بابرهام ماسلو
الفرع الاول: تعريقه
هو عالم نفس امريكى وضع عام 1932 نظريته المعروفة ب" هرمية الحاجات الإنسانية انطلق ابراهام ماسلو في دراسته للدافعية من فرضية أن معظم الناس يحفزون من خلال الرغبة في إشباع مجموعات محددة من الحاجات ووضع نموذجا لهرمية هذه الحاجات مبتدئا بالحاجات الأساسية في قاعدة الهرم وتليها الحاجات الأخرى تباعا إلى قمة الهرم . ويقوم الإنسان وفق آلية الدافع بإشباعها بالتناوب وحسب أهمية الحاجة و ضرورتها في ما قبل الإشباع . فإشباع هذه الحاجات عملية مستمرة استمرار حياة الإنسان وتتم بالتناوب وفق الضرورة . فإشباع حاجة لا يعنى زوالها من هرمية الحاجات التي وضعها ابراهام ماسلو بل إفساح المجال الى حاجة أخرى تبرز أهميتها بعد الحاجة المشبعة لتعود الحاجة المشبعة عندما يحين وقتها لتعلو سلم الأولويات للإشباع وهكذا . وفيما يلي موجز لأهم الحاجات الواردة فى هرمية ماسلو للحاجات الإنسانية :
الفرع الثاني : أهم الحاجات لماسلو
أولا:الحاجات الفسيولوجية أو حاجات وظائف الأعضاء physiological needs :
تهدف هذه الحاجات إلى المحافظة على حياة الإنسان و بقائه وهى تقع ضمن هرمية لا متناهية فى اولويات اشباعها عندما تبرز الحاجة لاشباعها ومن هذه الحاجات على سبيل المثال لا الحصر حاجة الانسان الى الهاء (اوكسجين ) و الى الماء و الطعام و الى الراحة و النوم والى الملبس و الجنس للمحافظة على النسل و استمرار بقاء الانسان ...الخ وتحتل هذه الحاجات عادة سلم الاولويات و قاعدتها الرئيسية فى هرمية ماسلو.
ثانيا: حاجات الأمن و الامان security and safety needs :
أن حاجات الأمن تتخلص فى توفير العناصر المادية التى تحمى الإنسان من الضرر المدى و المعنوي عليه وعلى ذويه ومن يحب وكذلك حماية حاجاته الفسيولوجية وما هو له فى هذه الحياة . بناء على اقتناع الإنسان بما يشبع له من حاجات الأمن يتولد لديه_ شعور بالاستقرار و الاطمئنان وهو ما يسمى بحاجات الأمان وهى حاجات نفسية يحتاجها الإنسان للحفاظ على سلوكه و توازنه الطبيعي . ومثال على حاجات الأمن القوانين و الأنظمة و التعليمات و الإجراءات التي تمنع الإنسان من الاعتداء على أخيه الإنسان مما يولد لدى الناس عند توفر العناصر المادية ( الأمن ) لتطبيق ذلك شعورا بالأمان أي بالارتياح و الاطمئنان.
3-الحاجات الاجتماعية أو الحاجة إلى الحب و الانتماء:
و هي حاجة الفرد أن يكون مقبولا المجتمع الذي يعيش فيه و أن تتاح له فرصة في التعامل بود و التعاون مع أفراد ذلك المجتمع و أن يتمكن من إقامة علاقات ود و محبة و مشاركة مع الآخرين كتكوين الصداقات و المشاركة في الأعمال الجماعية و الزواج ..الخ أي أنها حاجة الإنسان إلى الشعور بأنه غير مرفوض و أنه منبوذ أو وحيد في بيته.
4- حاجات الاحترام او التقدير
وتعبر هذه الحاجات من أهم الأمور التي تؤثر على سلوك الإنسان مع نفسه ومع الآخرين و خاصة في مجال التوازن و الاستقرار النفسي و التفاعل الايجابي مع الآخرين . ويمكن تصنيف هذه الحاجات إلى:
أ)- حاجات احترام الذات
وهى الحاجات المادية أو المعنوية أو السلوكية التي يعتبرها الإنسان حقا له في ضوء الواقع الذي يعيشه و أن التنازل عنها أو عدم القدرة في الحصول عليها ينقص من قيمته في نظره أمام الآخرين وبالتالي يهز ثقته بنفسه . فقدرة المرء و حقه في الاستقلالية بنشاطاته وعمله و حريته في الاختيار مثلا وعدم الشعور بالذنب أو ما يسمى ب "جلد الذات " هي مظاهر لهذه الحاجات التي تؤثر على شخصية و تفاعل المرء ايجابيا مع بيئته . فهذه الحاجات هي إذن كل ما يعزز ثقة المرء بنفسه و الاعتزاز بها و الاعتداد بما يعمل و الاقتناع و الافتخار بسلوكه الذات .
ب)- حاجات التقدير الاجتماعي
على خلاف حاجات احترام الذات التي ينظر المرء إليها من خلال تقويمه لسلوكه الشخصي فان حاجات التقدير الخارجي هي تقويم المرء لسلوك الآخرين تجاهه و كيف ينظرون إلى سلوكه و إنجازاته أي تقدير الآخرين للفرد من خلال الاعتراف بكفاءته و إعطائه المكانة الاجتماعية المناسبة له بين أعضاء المجتمع و هي لا شك تؤثر في حاجات احترام الذات بشكل طردي.
5-حاجات تحقيق الذات:
و هي شعور الفرد بكفاءته و مهارته و رغبته في أن تتاح له الفرصة لاستغلالها و استثمارها من خلال انجازات يتعرف بها الآخرون في مجتمعه فهي أشبه بالدور الذي يعتقد المرء أن عليه أن يقوم به في المجتمع لإثبات حضوره و شخصيته و بالتالي قيمته في نظر المجتمع . فهذه الحاجات و أن انطلقت من مشاعر و أحاسيس الفرد فإن تأكيدها يأتي من مشاعر و أحاسيس الآخرين تجاه ما يقدم الفرد من انجازات.
ويمكن تلخيص نظرية ماسلو كالتالي:
اعتقد ماسلو أنه عند إشباع أي مستوى من الحاجات، لا يعود هذا المستوى محفزا للفرد. وسيتطلب إشباع الحاجات التي في المستوى الأعلى. سيظل الأفراد محفزين دائما، طلما يتم إشباع رغباتهم المستوى تلو الآخر، حتى يصلوا للمستوى الأخير "إدراك الذات". لذلك حتى يتمكن المدراء من تحفيز موظفيهم، يجب عليهم أولا أن يحددوا المستوى الذي يحتاجه الفرد، ومن ثم إشباعه، والارتقاء حتى الوصول لآخر مستوى.
بالنسبة لانتقادات نظرية ماسلو، يرى النقاد ان الحاجات وأولوية هذه الحاجات تختلف من فرد لآخر. بالإضافة لعدم وجود أبحاث وأدلة كافية تدعم هرم الحاجات.
المطلب الثالث: نظرية فريدريك هيرزبيرغ
تَكمُن أهمية دراسة هرزبيرغ في قدرة الباحث وبراعته في تحليل الكثيرمِن الأفكار والتوقعات والاتِّجاهات في مجال تحفيز العامِلين، وإضافةً إلى تبنِّيه هذا المنهج التحليلي فإن الباحث يُحاوِل أن يُزيل الكثير مِن الأوهام والأفكار المَغلوطة حول هذه القضية المهمة، مُبيِّنًا كيف أثبتَت التجارب والدِّراسات ضَعف الصِّلة بين الأداء الوظيفي وكثير مِن الأساليب السائدة والمُستعمَلة في مجال التحفيز؛ مثل: محاولات التحفيز الوظيفي بتقليل ساعات العمل، وزيادة الأجور، وتنويع برامج العَوائد والمنافع الوظيفيَّة، وإشراك العامِلين في اتِّخاذ القرارات، والتحاوُر معهم مُباشَرة.
تركز نظرية هيزربيرغ على دور العمل وأهميته في حياة الأفراد العاملين حيث قسم نظريته إلى فئتين من عوامل
العوامل الدافعية وتشمل ما يلى:
- الشعور بالانجاز
- إدراك الشخص لقيمة عمله نتيجة إتقانه.
- أهمية العمل نفسه كونه يا و فيه نوع من التحدي.
-المسؤولية و مدى تحكم الشخص في وضيفته و مدى مسؤولية الشخص عن الآخرين.
-إمكانيات التقدم في الوظيفة.
- التطور و النمو الشخصي.
ولقد بين هيرز بيرغ ان العوامل الدافعية ، أن وجدت فهي تؤدى إلى تحسين الإنتاج لأنها دوافع ذاتية و توفر شعورا ايجابيا لدى الأفراد وتعطيهم فرصا للتطور الشخصي ، مما يدفعهم لمزيد من العمل و تحسين الإنتاجية.
العوامل الوقائية التى تتبعها المؤسسة و تشمل ما يلى
- سياسة الشركة و إدارتها.
- نمط الإشراف.
- العلاقات مع الرؤساء
- ظروف العمل.
- الأجور و الرواتب و المكافآت.
- المركز الاجتماعي.
- الأمن الوظيفي.
- التأثيرات على الحياة الشخصية.
إلا أن أفكار هيرزبيرغ كما الحال مع ماسلو ، قدمت إطارا هاما و مفيدا لمفهوم الحاجات الإنسانية الحافز و التي تعتبر مهمة فى دفع العاملين للعمل . الا ان نظريته فشلت كونها لم تقدم نموذجا دقيقا كعملية تبين كيف تؤثر هذه الحاجات على سلوك الإفراد وانجازهم .
خاتمة
لقد عرفنا العلاقات الإنسانية بأنها الأساليب و الوسائل السلوكية التي يمكن عن طريقها حفز العاملين على المزيد من العمل المثمر المنتج.
و لذا يمكن القول للآخرين أن العلاقات الإنسانية ليست مجرد كلمات طيبة أو عبارات مجاملة تقال للآخرين و إنما هي بالإضافة إلى ذلك تفهم عميق لقدرات العاملين و طاقاتهم و إمكاناتهم و ظروفهم و دوافعهم و حاجاتهم و استخدام كل ذلك لحفزهم على العمل معا كجماعة تسعى لتحقيق هدف واحد في جو من التفاهم و التعاون و التعاطف.