ماهية الديموغرافيا
2. نشأة ومراحل تطور الديموغرافيا
2- نشأة ومراحل تطور علم الديموغرافيا :
لقد أخذت بواكير الفكر السكاني حيزا هاما في الفكر الإنساني منذ القديم ,و كان موضوع السكان دائما موضوع الباحثين و المفكرين و الفلاسفة مثل كونفوشيوس أفلاطون أرسطو ابن خلدون ....هؤلاء جميعا ساهموا في إنتاج المعالم الأولى في التفكير السكاني و لكن في العصر الحديث سيتطور هذا التفكير خاصة مع عصر التنوير الذي ظهر في المجتمعات الغربية.
1-2 الفكر السكاني عند كونفوشيوس : الصيني فكونفوشيوس يعد من أعظم المفكرين المشهورين الذين اظهروا اهتمام بالغا للمسألة السكانية ,و هو أول من تحدث عن العلاقة التناسلية بين مساحة الأرض و عدد السكان وكان يعتقد فكونفوشيوس من واجب الحكومة أن تسهر وأن تعمل على نقل السكان من المناطق الأكثر اكتظاظا إلى المناطق أقل اكتظاظا ( أو من المناطق الأكثر كثافة إلى المناطق الأقل كثافة ) ,و على هذا الأساس أوضح كونفوشيوس أن هناك عوامل عديدة مؤثرة في العمليات السكانية مثل : النقص في الغداء ,الحرب, الزواج المبكر, وتكاليف الزواج المبالغ فيها ...الخ. طبعا وجدت أفكار كونفوشيوس إقبالا و رواجا كبيرا في الصين خاصة في ما يتعلق بالعنصر السكاني و انعكاساته وطرق معالجاتها حيث أكد أن القدر يحكم حياة الناس و أن الناس يتميزون من خلال تربيتهم، وأشار في كتاباته إلى فكرة مهمة نتناولها إلى يومنا هذا ,انه لكي نعرف الحديث لابد من الرجوع إلى القديم ,وقد حدد مهمة الحكومة في تحقيق ثلاث أمور مهمة و هي كالتالي :أولا الاكتفاء الغذائي .ثانيا أن يكون للناس الاكتفاء من ناحية العتاد الحربي. ثالثا أن يكون للناس الثقة في الحكام.و بالتالي الحكومة الصالحة هي التي توفر الاكتفاء الذاتي للمجتمع و هي التي تقوم بتوزيع الثروات بشكل عادل.و يقول كونفوشيوس أن احتكار الثروات أو تكديس الثروات بيد قلة من الناس سيؤدي لا محل إلى تفريق الشعب و إثارة البغضاء بينهم , كما يوصي بضرورة تخفيف من وطأة العقاب كما يوصي بإيجاد توازن في تطبيق القوانين من دون قسوة في حق الناس .لكن الأهم عند كونفوشيوس هو التركيز على التعليم و نشره بل أكثر من ذلك قد شدد على انتشار العلم لأنه هو القادر على رفع المستوى العقلي و الفكري و يساهم كذلك في غرس الأخلاق النبيلة و الطيبة في ما بينهم على هذا الأساس سمي بالحاكم العظيم. خاصة حينما ارجع انخفاض النمو السكاني إلى ظاهرة الزواج المبكر التي يترتب عليها ارتفاع في مستويات عدد وفيات الأطفال.
2-2 الفكر السكاني عند اليونان
- أفلاطون: المحور الأساسي الذي دارت حوله أفكار أفلاطون اليوناني المتعلقة بالسكان هي الحجم الأمثل للسكان في الوحدة السياسية اليونانية و التي تعني عند أفلاطون (الدولة المدينة )، حيث حدد الحجم الأمثل للسكان ب 5040 مواطن دون العبيد (كان يقسم أفلاطون السكان إلى قسمين الأسياد و العبيد)،واختياره لهذا الرقم ليس عبثا فهو يقبل القسمة على 12 و12 له معنى ديني وأسطوري يقدسه اليونان ثم إن هذا الرقم (5040) يمثل عدد الوحدات السياسية التي تتشكل منها المدن اليونانية ووصية أفلاطون إلى الحكام أن يثبت عدد السكان في المدينة عند الحد الأمثل لذلك يجب أولا تحديد الزواج ثم تحديد النسل ثم منع الهجرة و في نفس الوقت على الحاكم أن يراقب في حالة ما إذا انخفض عدد السكان يوصي بتشجيع على الزواج و النسل وفي نظره يكون ذلك تحت رقابة ولي الأمر بهدف إنجاب نسل منتخب حيث لا يكفي تعليم الطفل تعليما حسنا بل ينبغي أن يختار له أبوين قوين صحيحين وبهذا الخصوص يؤكد أفلاطون ما يلي:
- لا يتناسل الرجل و المرأة إلا إذا كانوا بصحة جيدة
- يطلب كل من الزوج والزوجة شهادة طبية
- يفضل للرجل أن ينجب بين سن 30و 45سنة و المرأة بين 20و22 سنة
- الرجل الذي بلغ سن 35ولم يتزاوج يدفع ضريبة الهناء،و يحبذ أفلاطون أن يكثر الأقوياء من الزواج الإنجاب اكبر عدد من الأطفال ، وألا يتزوج الرجل من الأقرب لأنه يضعف النسل.ومن الوصايا التي وجهها إلى الحاكم أولا طلب أفلاطون التخلص من المواليد المشوهين و المنتمون إلى سلالة الهابطة ثانيا يوصي بالتمارين الرياضية و الخلقية للرجال و النساء وثالثا التربية العلمية والسياسية و البلاد يحكمها الفلاسفة لأنهم أعظم و اشرف الناس و الدولة في نظره لا يمكن أن تكون دولة إلى إذا حكمها فيلسوف.
- أرسطو:من المعروف أن أرسطو هو ثالث المفكرين العظماء الذين عاشوا بأثينا ونتيجة إسهاماته الكبيرة في الفكر الفلسفي فقد لقب بالمعلم الأول , تلقى العلم على يد أفلاطون وكان كتابه الأول حول تصنيف الحيوان اتجه أرسطو في معالجته لموضوع السكان اتجاها أكثر موضوعية ،خلافا لأستاذه أفلاطون فقد صنف أرسطو السكان إلى ثلاث أسس:
- 1- وحدات المجتمع: الأسرة، القرية، المدينة.
2- المهن:ويقسمها إلى طبيعية وغير طبيعية الأولى هي الصيد و الزراعة، الثانية هي الصناعة و التجارة.
3- العمر و الجنس : يفرق ما بين الرجال و النساء بناء على الاستعدادات الجسمانية و العقلية واشترط أن يكون مواطنو الدولة جميعهم من الإغريق،يجمعون بين حيوية الشعوب الشمالية و الشعوب الجنوبية.
لقد ركز أرسطو على النمو غير المتماسك بين طبقات المدينة لما يترتب عن ذلك من ثورات واحتجاجات ومشاكل اجتماعية ، وعلى الرغم من أن أرسطو كان تلميذا لأفلاطون إلا أنه لم يحد الحجم الأمثل للسكان على عكس أفلاطون الذي قال «أن الحكومة هي من واجبها أن تحدد حجم السكان الأمثل» وأكد أرسطو أن الدولة العظمى ليست هي الدولة كبيرة الحجم ورأى من الضرورة تدخل الدولة بأساليب متنوعة لتحقيق التناسب بين حجم السكان وبين مواردهم وخاصة مساحة الأرض و قدرتها على استيعاب حجم السكان و لتحقيق ذلك وافق أرسطو على الإجهاض من اجل الحد من زيادة السكان و التخلص من المواليد المشوهة بعد الولادة وعارض أرسطو فكرة المعسكرات التي كان يدعو إليها أفلاطون فأرسطو يشجع على المجتمع المفتوح حيث يقول«حيث يكون كل الناس إخوة لك هذا يعني انه ليس لك أخ حقيقي, وفي الدولة التي يشترك فيها النساء بالأطفال يكون الحب مائعا ،فمن الصعب أن يشترك الناس في كل شئ » ، من جهة أخرى يعتبر أرسطو من رواد المفكرين الذين اهتموا بقضية تحديد حجم السكان, مؤيدا سياسة تحديد النسل و كذلك تحديد عدد السكان بالنسبة لأرسطو يجنب الفقر ثم يرى كذلك أن تبرير عملية الإجهاض(يكون داخل البطن قبل أن يلمس الجنين الحياة) عملية ضرورية للحفاظ على الحد الأنسب من السكان و بشكل يوازي إمكانيات و قدرات الدولة و خيرات و موارد ثم يركز على العمر المفترض الذي يقود الاتحادات الزوجية و كذاك تحديد سن الإنجاب و ظروف الأمهات الصحية ثم يوصي بنظام صحي للأمهات الحوامل مع ممارسة الرياضة ونوعية الغداء .أما السن المناسب الإنجاب للرجال يصل إلى 70سنة و50سنة للنساء ولا يوصي بالزواج المبكر لان ذلك يضر بالثمرات أو الأطفال و يضر كذلك في الاعتدال في الحواس,و السن المناسب للزواج بالنسبة للنساء 18سنة و37سنة بالنسبة للرجال،ويشير كذاك إلى أن الزواج المبكر يؤدي إلى أمراض عصبية شديدة حيث يقول «الأجنة في الأرحام تتأثر بما تتأثر به الأمهات،كما تتأثر الثمرات بالتربة التي تغذيها» ويوصي الأمهات بالالتزام بنظام صحي في فترة الحمل و كذلك تجنب الكسل عن طريق الذهب إلى العمل يوميا إذن فأرسطو يناقش تفاصيل كثيرة تتعلق بالتنظيم الأسري.
3-2 الفكر السكاني عند الرمان: في التاريخ الروماني القديم كانت زيادة عدد السكان ضرورة تقتضيها أهداف الدفاع والحماية من خطر تهديد المجتمعات المجاورة. وما أن اشتد ساعد الإمبراطورية حتى توسعت أرجاءها وأصبحت حاجتها للأعداد المتزايدة من السكان أكثر إلحاحا، على الأقل من اجل شغل واحتلال الأقطار التي تمكنت من غزوها. كذلك كانت الحاجة إلى القوة العسكرية البشرية بمثابة الدافع القوي الذي شكل نظرة الرومان لكثير من المسائل السكانية، ولان الرومان كانوا يتطلعون دائما لتحقيق نمو سريع ومرتفع، سارت كتاباتهم وتشريعاتهم في نفس الحظ. لذلك كانوا أكثر استهجانا للعزوبة وأكثر تدعيما لفكرة الزواج المبكر وإنجاب الأطفال
4-2 الفكر السكاني عند ابن خلدون : (1332-1406) تعد أعمال الفيلسوف ابن خلدون من أكثر المحاولات المبكرة أهمية لتطوير نظرية السكان ونهضت نظريته على أساس فكرة أن المجتمعات ،شلنها في ذلك شأن الكائن الإنساني ،تمر بمراحل مختلفة من التطور بدءا بمرحلة الشباب وانتهاء بالتدهور والضعف في مرحلة الشيخوخة . ويتحدث فيه عن القضايا السكانية و الاقتصادية وركز بشكل كبير على أهمية العنصر البشري السكاني واعتبره من المقدمات الأساسية لازدهار الأمم و نهضتها الاقتصادية و الاجتماعية ثم أن ازدهار العلوم و الصناعات وتوفير الخيرات المادية و الثقافية مرتبطة بالعنصر السكاني وكثافته.
5-2 الفكر السكاني في العصر الحديث:ويعتبر جون غرانت John Graunt أول من نشر جداول حياة بدائية عام 1662 لتكون ظاهرة حقيقية في تاريخ علم السكان .ثم جاء جون بيتر سوسملش J.P.Soussmilch وأنطونيو دي مونتيرون A.De Monterion وغيرهم في دراسة هذا الموضوع ، كهواة وليس كمحترفين وحينما اشتدت المعارضة لمبادئ التجاريين المنادية بتشجيع الزيادة السكانية ، خاصة خلال النصف الثاني من القرن 18م ، إلا أن الأمر لم يمنع وليم جودوين W.Godwin. وكوندرسيه Condercet اللذين قاما بنشر كتابهما وتتلخص فكرتهما في أن التاريخ يفصح عن ترتيب طبيعي في الظواهر الاجتماعية للوصول بالإنسان إلى صفة الكمال. وبالرغم من أن هناك فلاسفة كثر كتبوا عن السكان قبل القرن الـ19 إلا أن مالتوس R.Malthus كان أول من امتهن الديموغرافيا وتخصص فيها مع أنه كان له اهتمامات أخرى كالاقتصاد والسياسة ...وفي منتصف القرن 19 وبالضبط في 1848 تبنى الباحث جون ستيوارت ميلJ.S.Mill عرض قضية مالتوس في السكان ودعمها بقانون الغلة المتناقصة وخلاصة هذه الفكرة أنه بعد مرور مدة معينة من الزمن وغير طويلة في تطوير الزراعة وبعد زيادة العمل لتحقيق الإنتاج المطلوب فان الإنتاج سوف يتناقص ولا يزداد بدرجة مساوية للجهد المبذول وإذا لم يتضاعف العمل فانه لا يؤدي لمضاعفة الإنتاج.وتلاه الباحث جويللاردA.Guillard والذي يعتبر أول من استخدم هذا المصطلح ديموغرافيا في مؤلفه بعنوان ″مبادئ الإحصاء البشري″ ثم جاء بعده ولكوكس W.F.Willcox عام 1940 وقد قام بمعالجة التباين أو التجانس ، في دلالة هذا المصطلح لدى الكثير من الباحثين ، في مؤلفه بعنوان دراسات في الديموغرافيا الأمريكية كما وجد أن بعض هؤلاء يضيقون من دلالة هذا المصطلح .