علاقة اللسانيات النفسية بالمنطق

1. علاقة اللسانيات النفسية بالمنطق

    تعد اللغة وسيلة اتصال بني البشر، وأداة التعبير عن مكنونات النفس، وفهم، واستيعاب المواضيع، وهي تنشأ، وتتطور وفقا لمهارات الانتباه، والإدراك، والتذكر، فإن أي اضطراب يصيب هذه المهارات، ويعرقل فعاليتها يؤدي إلى اضطراب في اللغة، وفي وظيفتها، وقدرهتا على الفهم والتعبير1، ويتطلب التواصل الذي تحققه اللغة من جهة أخرى ما يلي:

1- "التشفير" "Codage"؛ أي: إرسال رسالة بشكل مفهوم.

2- "فك الشفرة" "Décodage"؛ أي: استقبال الرسالة، وفهمها .2

   وتعرف عملية تشفير، أو إرسال الرسائل أبهنا اللغة التعبيرية، أّما فك شفرة الرسائل، أو فهمها فتعرف باللغة، الاستقبالية، فلكل لغة منطق ونظام خاص بها، يراعيه المتكلمون بها "لأنه شرط الفهم، والإفهام في البيئة اللغوية الواحدة، وإذا أخل المتكلم بهذا النظام حكم السامع على كلامه بالغرابة، والشذوذ، والغموض، ويرتبط هذا النظام بعقول أصحاب اللغة، وتفكريهم إلى حد كبير، ولكنه النظام اخلاص الذي يختلف من لغة إلى أخرى، ويتصف في كل بيئة بخصائص معينة، تجعل لكل لغة استقلالها، وتميزها من غريها" .3

     فنظام أو منطق العربية – مثال - يختلف عن نظام الإنجليزية في كثير من الظواهر، والقواعد، والأسس، ولاسيما في ترتيب الجملة، وفي الإفراد، والتثنية، والجمع، وفي التأنيث، والتذكير، وغير ذلك فالصفة مثال في نظام الإنجليزية تخالف الموصوف من حيث الرتبة، والمطابقة في العدد، والجنس، ويعد ذلك في العربية لحنا، وخطأ ذلك أن نظامها ينأى عن نظام الإنجليزية4. لذلك ربط القدماء بني اللغة، والمنطق العقلي، اليونان إلى طرائق تهيمن على فدعا فالسفة التفكري، الإنسان، وجعلوها بديهيات لا يختلف فيها، ومقدمات لقضايا عقلية ينتهون منها إلى حكم خاص لا يرتدد العقل في قبوله 5، هذا المنهج العقلي هو "المنطق" "Logic" الذي اكتمل لدى "أرسطو" "Aristote"، حيث ربط بينه وبين اللغة لتوضيحه، ووضعه في قوالب نحوية، صاغها في صور ألفاظ، وأصوات، والمنطقيون بعده حاولوا صب اللغات يف تلك القوالب المنطقية "لأرسطو." 

 وقد أعجب النحاة العرب "بمنطق أرسطو"، وحاولوا تطبيقه على النحو العربي لذا نجد في بحوثهم اللغوية من الأقيسة، والاستنباط، والاستقراء وغيرها، ولم يقتصر تأثير المنطق على اللغة العربية فحسب بل تعداه إلى "علم الكلام"، و"علم أصول الفقه"، ولعل هذا راجع إلى اتسـاع الدولة الإسلامية، ودخول الأعاجم في دين المسلمين؛ إذ واجه المسلمون نوازل جديدة دفعت المجتهدين إلى بذل مجهود واسع في الاجتهاد والتشريع لتلك الوقائع، وقد نتج عن هذا السعي الفقهي الحثيث أن اصطبغت الأحكام الشرعية بالصبغة العلمية فذكرت معها أدلتها، وعللها، والأصول العامة التي تتفرع منها.

    وهنا تتجلى العالقة بين اللسانيات النفسية والفلسفة، وبخاصة المنطق الأرسطي، ومن الطبيعي أن يكون مثل هذا التعاون ما بين علم النفس اللغوي والمنطق؛ فاللغة تعبير عن الفكر، وعليها أن تراعي مقولاته، وتراكيبه، والمنطق بحث في الفكر، وعليه أن يبحث في أمر التعبير عن هذا الفكر؛ أي: في أمر اللغة، يقول "التوحيدي" في "المقابسات" على لسان "أبي سليمان السجستاني:" "النحو منطق عربي، والمنطق نحو عقلي، وجل نظر المنطقي في المعاني، وإن كان لا جيوز له الإخلال الألفاظ التي هي لها كالحلل والمعارض، وجل نظر النحوي في الألفاظ، وإن كان ال يسوغ له الإخلال بالمعاني التي هي لها كالحقائق، والجواهر" 6، يقول "أبو حيان التوحيدي" أيضا في هذا الباب: "وبهذا يتبين لك أن البحث عن المنطق قد يرمي بك إلى جانب النحو، والبحث عن النحو يرمي بك إلى جانب المنطق، ولولا أن الكمال غير مستطاع لكان يجب أن يكون المنطقي نحويا والنحوي منطقيا، خاصة، والنحو واللغة عربية، والمنطق مترجم بها ومفهوم عنها.

الهامش:

1 حسن اجلبايل، الكفيف واألصم بن االضطهاد والعظمة، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، مصر، ط 01، 2005 م، ص .34

2 دانيال هاالهان وجون لويد وجيمس كوفمان، صعوبات التعلم "مفهومها، طبيعتها، التعليم العالجي"، ترمجة عادل عبد هللا حممد، دار الفكر عمان، ط 01، 2008 م، ص .485

3 إبراهيم انيس، من أسرار اللغة، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، مصر، ط 06، 1978 م، ص .178

4 عبد الوهاب خالف، علم أصول الفقه، دار النفائس، القاهرة، مصر، ط 07، 1996 م، ص .16

5 أبو حيان التوحيدي، املقابسات، شرح وحتقيق: حسن السندويب، الاهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، مصر، 2006 م، ص .169

6 نفسه، ص .177