مظاهر حضارة بلاد الرافدين
2. المظهر الديني (الالهة)
لم تكن جميع الآلهة بنفس القوة والنفوذ والفعالية، وإنما كان لكل إله مرتبة ومكانة،فمكانة إله السماء تختلف عن مكانة إله الأرض، كما كانت لديهم آلهة كبرى رئيسية مثل: آنو وأنليل وأنكي وآلهة صغرى ثانوية.
وخصائص آلهتهم من نوع مماثل لخصائص الإنسان، فقد نسبوا إليها جميع صفات البشر الروحية والمادية، كالصورة والأعضاء والفكر والرأي والعواطف كما عند الإنسان، فالآلهة حسب عقيدتهم كانت تأكل وتشرب وتتزاوج وتنجب أولادا وما إلى ذلك ولكن مع فروق خاصة تميزها عنهم، ومن ذلك طبيعة وشكل لباس الرأس المتميز بشارات خاصة تشبه الأهلة وقرون الثور، وكلاهما يحمل صفات رمز القمر وقوة الثور كما أنها تنفرد بصفة الخلود والبقاء الأبدي ، بينما جعلت الموت من نصيب الإنسان، لذلك نلمس من الناحية الأثرية عدم إعطاء الفرد العراقي القديم الأهمية الأولى للمنازل الأبدية ( أي المقابر).
ومثلما ينتظم المجتمع الإنساني بهيئة دولة المدينة يحكمها أمير، فقد تصور العراقيون القدماء أن الآلهة هي الأخرى قد اقتسمت المناصب والمسؤوليات فيما بينها، وأصبح كل واحد منهم مسؤول عن جزء أو ظاهرة معينة في هذا الكون، فعلى سبيل المثال بينما كان الإله "أن" إله السماء كانت ابنته "أنانا" تمثل إلهة الخصوبة بينما زوجها "دموزي" له مجال في شؤون الزراعة والرعي والإنتاج.
أما صور معبوداتهم فقد مثلت على هيئة آدمية، إنما تختلف قليل ان البشر العاديين، فقد بولغ في سعة العيون وكبر الآذان، وكانت العلامة المميزة لها هي غطاء الرأس على شكل مخروط أو قبعة فوقها قرون ثور.
كما رمزوا اليهم بهيئات الحيوانات فإله مدينة أور كان يصور على شكل ثور ضخم، أو بهيئات الحيوانات في صور مركبة، ومن ذلك القبيل أن رموزا إلى إله معبودهم "نينجرسو" بهيئة نسر مهيب بجناحين كبيرين و رأس أسد أو لبؤة، وكانوا اذا صوروه على هيئة بشرية جعلوا وجه الأسد شعار لردائه أو لمقعد عرشه أو لموطئ قدميه، كما توصلوا إلى تمثيل معبوداتهم عن طريق الرموز فقط، بمعنى خصوا كل معبود برموز وشارات خاصة تميزه عن غيره، حتى أصبحت هذه العلامات وحدها كافية للدلالة على المعبود المقصود، فمثل كانت لإله القمر نانا صورة الهلال، ولإله الشمس أوتو بالسومرية وشمش بالبابلية عجلة مشعة,
كما قدس السومريين مظاهر الطبيعة وعناصرها، فعبدوا القوى الكامنة ورائها كحرارة الشمس وقوة المياه، ثم جعلوا الآلهة على صورة البشر يتصفون بالقوة بالضعف لهم الحسنات ولهم السيئات فظهرت فكرة تعدد الآلهة بتعدد المدن، لكل مدينة إلهها لا تكتفي بعبادته بل تسعى لفرضه على المدن الأخرى، ونادرا ما كانت مدينة تعبد إله مدينة أخرى تلقائيا، وإن عبد لا تبرزه أولا، ويبدو هذا جليا عند البابليين الذين احتفظوا بالآلهة السومرية والأكادية، لكنهم جعلوا مردوخ إله بابل في مقدمتها جميعا والسبب يعود لقوة حمورابي فنفوذ الإله مرتبط بنفوذ الملك والملك مفروض بقوة الإله.
ولما كانت الغلبة للآشوريين برز في مقدمة الآلهة الإله آشور وكانت الإلهة عشتارت ملازمة له، ولكن شهرة مردوخ من جهة والكره المكبوت للآشوريين جعل مردوخ يبقى معبودا ولو سرا وبعد سقوط أشور وطلوع نجم الكلدانيين برز الإله "نبو" إبن مردوخ.
إضافة إلى الآلهة كرم سكان العراق القديم أنصاف الآلهة والعمالقة مثل جلجماش، كما أن الأشوريين اعتقدوا بوجود الروح "الروخا" وقسموها إلى روح الخير وروح الشر.
كدلك الاعتقاد بسلطان السحر والشياطين قديم في بلاد الرافدين، حيث اعتقدوا بوجود صلة بين الآلهة والشياطين، فقد يدفع الإله شيطانا إلى المضرة بالناس لذا اعتنى البابليون بالتنجيم والعرافة واستخدموا الطلاسم.