ماهية الصحة النفسية والتوافق
1. ( MentaL Health) الصحة النفسية
1.1. علم الصحة النفسية Mental Hygiene )):
علم الصحة النفسية هو الدراسة العلمية للصحة النفسية وعملية التوافق النفسي، ما يؤدي إليها وما يحققها، وما يحدث من مشكلات واضطرابات وأمراض نفسية ودراسة أسبابها وتشخيصها وعلاجها والوقاية منها.
إن علم النفس بصفة عامة يدرس السلوك في سوائه وانحرافه. وعلم النفس يخدم علم الصحة النفسية من خلال دراساته العلمية عن طريق الوقاية والعلاج، ويمكن النظر إلى علم النفس على انه "علم صحة " حيث انه يقدم خدماته في مجال الصحة، وخاصة الصحة النفسية والعلاج النفسي، وان فروع علم النفس المرضي وعلم النفس العلاجي وعلم النفس التحليلي وما تتناوله من موضوعات ومجالات خير دليل على العلاقة بين علم النفس والصحة.
وعلم الصحة النفسية يفيد علوم النفس والتربية والاجتماع وكذلك علوم الإحياء و الطب النفسي. غير أن صلتها وثيقة بوجه خاص بعلم نفس الطفل، فالاضطرابات الوظيفية توضع أصولها كما رأينا في الطفولة المبكرة، وكذلك بعلم النفس الاجتماعي الذي يستهدف تحسين العلاقات الإنسانية بين أفراد الجماعة، هذا إلى ما يفيده من علم النفس الصناعي الذي يرمي إلى حل المشكلات الصناعية حلا علميا إنسانيا يهتم براحة العامل وصحته وكرامته كما يهتم بزيادة إنتاجيته.
2.1. مفهوم الصحة النفسية ( MentaL Health):
لقد كثرت الاجتهادات حول معنى الصحة النفسية عندما نقف أمام مشكلة من مشكلات اضطرابات السلوك، بمعنى أخر: عندما نقابل السلوك غير السوى نسبة إلى المعيار الشائع للسلوك في أي مجتمع من المجتمعات، وعندما نجد أنفسنا أمام تعريف السواء كنموذج السلوك نقترب منه لو نبتعد عنه بنسبة متفاوتة.
يعد مايير ( Mayer) أول من استخدم مصطلح الصحة النفسية للدلالة على نمو السلوك الشخصي والاجتماعي نحو الكمال.
وللصحة النفسية معاني وتعاريف متعددة – سنتعرض لأهمها بغية الوصول إلى تعريف يمكن أن نستعين به في رسم السبل المؤدية إلى سلامة العقل والمحافظة عليه من التعرض للاضطرابات السلوكية بأشكاله المختلفة.
من التعاريف الشائعة للصحة هي الخلو من أعراض المرض النفسي أو العقلي، ويلقى هذا التعريف قبولا بين المختصين قي مجال الطب النفسي.
ولا شك أن هذا التعريف إذا قمنا بتحليه نجد أنه مفهوم ضيق محدود لأنه يعتمد على حالة السلب أو النفي، كما أنه يقصر معنى الصحة النفسية على خلو الفرد من أعراض المرض العقلي أو النفسي وهذا جانب واحد من جوانب الصحة النفسية، فقد نجد فردا خالياً من أعراض المرض العقلي أو النفسي ولكنه مع ذلك غير ناجح في حياته ، وعلاقاته بغيره.
وكذلك إذا تأملنا في حياة وسلوك الأفراد الذين نعرفهم ونتعامل معهم في كل يوم، والذين لا تصل أعمالهم وتصرفاتهم إلى درجة الاختلال التام الشذوذ والغرابة فيتبين لنا أنهم لا يتساوون جميعا من حيث تفاعلهم بحياتهم ورضاهم من حيث قدراتهم على التوافق بين مختلف أهدافهم واهتماماتهم ونزعاتهم، أو من حيث نجاحهم في إقامة العلاقات الطيبة والتوافق مع الأشخاص المحيطين بهم، ومع مطالب البيئة الاجتماعية والمادية، لو نرى فيمن نعرفهم أفرادا يغلب الرضا والسعادة على حياتهم وآخرون يغلب الضيق والتعاسة.
يتبين من ما تقدم ان الصحة النفسية ليست مجرد الخلو من المرض ، لاننا نلاحظ أن مجرد الخلو من المرض لا يحتم قدرة الفرد على مواجهة الأزمات العادية ولا يتبعه الشعور الايجابي بالسعادة.
وعليه يعتبر تعريف الصحة النفسية بالنظر إلى الأعراض النفسية والعقلية فقط من التعاريف السلبية للصحة النفسية .
في حين هناك تعريفات ايجابية للصحة النفسية والتي هي:
- الصحة النفسية بأنها حالة من الأداء الناجح للوظائف الذهنية مما يؤدي إلى أنشطة إنتاجية وتحقيق علاقات مع الأشخاص الآخرين والقدرة على التكيف مع التغيرات ومواجهة الشدائد فالصحة النفسية أمر لا غنى عنه لتحقيق الرفاهية الذاتية والأسرية وحتى المساهمة في المجتمع المحلي"
وترى زينب عبد الرازق غريب وآخرون أن: " الصحة النفسية حالة دائمة نسبيا يكون فيها الفرد متوافقا نفسيا، شخصيا، وانفعاليا واجتماعيا أي مع نفسه أو مع بيئته، ويشعر بالسعادة مع نفسه ومع الآخرين ويكون قادرا على تحقيق ذاته، واستغلال قدراته وإمكاناته إلى أقصى حد ممكن، ويكون مواجهة مطالب الحياة وتكون شخصيته متكاملة سوية، وسلوكه عاديا ويكون حسن الخلق بحيث يعيش في سلام ".
- من خلال ما سبق نستنتج أن الصحة النفسية هي حالة نسبية مرتبة بمستوى فعالية الفرد داخل المجتمع، فقدرة وفعالية الفرد على تجاوز المواقف يبين سلامة الصحة لنفسية وقدرته على الخروج من الموقف الإحباطي.
أن رضا الفرد عن نفسه وان يتقبل ذاته كما يتقبل الآخرين ، فلا يبدو منه ما يدل على عدم التوافق الاجتماعي، كما لا يسلك سلوكا اجتماعيا شاذا ، بل يسلك سلوكا معتمدلا يدل على اتزانه الانفعالي والعاطفي والعقلي في ظل مختلف المجالات وتحت تأثير جميع الظروف.
إن هذا الشخص وأمثاله أسوياء، لأنهم يتمتعون بقدر كاف من لصحة النفسية حيث يمكنهم أن يعيشوا في وفاق وسلام مع أنفسهم من جهة ومع غيرهم في محيط المجتمع من جهة أخرى.
تتضح أهمية الدراسة العلمية للصحة النفسية في مجتمع العصر الحديث في حماية المجتمع الإنساني من تزايد معدلات الأمراض النفسية والعقلية وانحرافات السلوك وفي الحد منم تفاقم هذه الظاهرة، والإحصاءات الحديثة تنبه المجتمع الإنساني تحذره من الخطر المتزايد بظاهرة اضطرابات الشخصية بصفة عامة .