نظريات التأثير الانتقائي/ المعتدل/ المحدود

1. نظريات التاثير الانتقائي/ المعتدل/ المحدود

نظريات التأثير الانتقائي

شهدت دراسات الإعلام ونظرياته تحولا كبيرا من الاعتقاد الذي يؤكد قوة وسائل الإعلام وتأثيرها بطريقة موحدة على جمهور الوسيلة الإعلامية، وانتقلت إلى رؤية جديدة مفادها أن التأثير ليس أني ومباشر كما أعيد النظر في طبيعة العلاقة بين الجمهور ووسائل الإعلام.

وسنعرض أهم النظريات والتي تندرج ضمن مداخل هي:

1 . مدخل الفروق الفردية.

 ينطلق من بدأ لكل فرد بنية ادراكية مختلفة ، حيث بدأت الدراسات النفسية تركز على الاختلافات الفردية بين الأفراد وبالتالي الاستجابة لكل منبه بطريقة فردية ومختلفة، فالطبيعة الإنسانية ليست متماثلة.

مبدأ الانتقائية في ضل الفروق الفردية:

التأثر بالرسائل الإعلامية يخضع لعوامل الانتقائية، أثبتت بعض الدراسات أن الأفراد يختارون ما يتعرضون له من وسائل ومن رسائل وتسمى هذه العملية بالتعرض الانتقائي(مكاوي والسيد، 1998، ص236).

قاعدة التعرض الانتقائي وهناك من يسميها عملية الانتباه والاهتمام الانتقائي، الأفراد ينتبهون ويهتمون بمضامين بعينها ويهملون مضامين أخرى وذلك بتأثير بنيتهم المعرفية.(الحاج، 2020، ص91).

والأفراد يدركون الرسائل الإعلامية تبعا لفروقهم الفردية، أي أن عملية الإدراك تؤثر في رد الفعل وتسمى هذه العملية بالإدراك الانتقائي.

قاعدة الإدراك الانتقائي، الأفراد لديهم صفات نفسية متمايزة و سلوكيات خاصة تبعا لانتماءاتهم الاجتماعية وبالتالي سيفسرون مضمون الرسالة الإعلامية تبعا لفروقهم الفردية.(الحاج، 2020، ص91).

وبسبب هذا الإدراك فإن الأفراد يتذكرون فقط الأفكار التي تتفق مع ميولهم الشخصية أفكارهم السابقة، وقد تلغى من عقولهم كل ما لا يتفق مع ميولهم الشخصية وتسمى هذه العملية بالتذكر الانتقائي.

قاعدة التذكر الانتقائي الأفراد لديهم ذاكرة حية تستمر فترات طويلة تجاه بعض المضامين الإعلامية، وآخرون تؤدي بنيتهم المعرفية وعلاقاتهم الاجتماعية إلى نسيان مضامين معينة بسرعة، إذ يتضافر مبدأ التخرين الانتقائي، والاهتمام الانتقائي والإدراك الانتقائي لتحديد طبيعة وشدة وعمق واستمرارية الرسالة على المتلقي.( الحاج، 2020، ص91).

قاعدة السلوك الانتقائي، وهو الحلقة الأخيرة في سلسلة الانتقائية فكل فرد لن يتصرف بالأسلوب نفسه نتيجة التعرض وكل استجابة ستكون بناء على التأثيرات المتداخلة.

2 مدخل الفئات الاجتماعية ( مدخل الفروق الاجتماعية).

نظرية التباين الاجتماعي: الأبحاث المعتمدة في هذا الإطار لم تعد تولي اهتمام بالبنية النفسية (سيكولوجية) للأفراد، وانما الاهتمام بالبنية الاجتماعية لمجموعات المجتمع المدني الصناعي.

 

افترض علماء الاجتماع أن الأفراد في المجتمعات الحديثة متشابهون (قوالب موحدة) يفتقرون الى الروابط الاجتماعية (معدومي الروابط الاجتماعية)، لكن الدراسات الحديثة كشفت أن الناس في هذه المجتمعات ليسوا قوالب موحدة،

 (مكاوي، والسيد، 1998، ص236) بالرغم من التحول إلى المدينة وحركة التحديث والهجرة وتفاقم تقسيم العمل والتراكمية التي خلقت تراكم مديني صناعي أكثر انفتاحا وأشد تعقيدا من التراتبية الريفية، ورغم تطور البنيات الاجتماعية المتباينة، الا أن هذا كله لم يؤدي إلى تفتت المجتمع وانعزالية الأفراد، بل شكل قاعدة لظهور أنواع أخرى من الروابط غير الشكلية، كما اثبتت بعض الدراسات السوسيولوجية أن التباين الاجتماعي خلق نماذج سلوكية مختلفة.(مهنا، 2002، ص152)

وهذا ما ساعد على صياغة منظور جديد في تفسر تأثير وسائل الإعلام، انطلاقا من الفروق الفردية الموجودة بين الأفراد، والتباين الاجتماعي بين الأفراد، وهو ما يعرف بنظريات التأثير الانتقائي والمحدود لوسائل الإعلام، وسوف نعرف أهم هذه النظريات.

 

نظرية الاستخدامات والإشباعات ( ضمن مبدأ الفروق الفردية والفروق الاجتماعية)

Uses and Gratifications Theory

محور اهتمام هذه النظرية يتعلق بالفروق الفردية بين الجمهور وتأثيرها على استخدامهم لوسائل الإعلام من أجل تحقيق إشباعات معينة تختلف من شخص إلى آخر.

أحدثت هذه النظرية تحولا كبيرة في رؤية المتخصصين في مجال الإعلام التي كانت تقول أن الجمهور سلبي يتلقى المضمون الإعلامي دون انتقاء ما يرد وما يشبع حاجاته.( البشر، 2014، ص131).

كما تنطلق هذه النظرية من مبدأ التعرض الانتقائي، أي أن الفرد يعرض نفسه لمصادر معلومات تلبي رغباته وتتفق مع طريقة تفكيره من خلال:

التعرض الانتقائي: ينتقي أفراد جمهور المواد الإعلامية التي تحمل وجهات نظر متشابهة مع وجاهات نظرهم والعكس.

الإدراك الانتقائي: ويتمثل في ميل أفراد جمهور الوسيلة الإعلامية إلى تفسير الرسائل الإعلامية بطريقة تدعم وجهات النظر الخاصة بهم.

التذكر الانتقائي: يرتبط بعملية الإدراك السابقة، حيث أن الجمهور يتذكر ما يحب تصوره وادراكه، أكثر من ميله لتذكر الرسائل التي لا يرغب فيها.

و بناء على ذلك يمكن صياغة المفهوم العام لهذه النظرية من خلال فروضها الأساسية على النحو التالي:

1.     جمهور وسائل الإعلام مشاركون فعالون في عملية الاتصال، ويستخدمون وسائل الاتصال لتحقيق رغبات مقصودة.

 

2.     استخدام الجمهور لوسائل الإعلام للبحث عن إشباعات في الرسالة الإعلامية، ويتحكم في ذلك عوامل الفروق الفردية بين الجمهور، وهذا المفهوم يتضمن عناصر أساسية بنيت عليها الدراسات الإعلامية التي تناولت النظرية وهي: (ص132).

-         الاستخدام: يستخدم أفراد الجمهور الوسيلة الإعلامية وليس العكس، يتعرضون للمضمون الإعلامي بكل انتقائية وحرية.

-         الفروق الفردية: وهي اختلافات سواء فروق شخصية كالعمر والجنس، والتفاوت الاقتصادي والمستوى الاجتماعي والتعليمي.. بين الجمهور ، وإما فرق في الميولات والاتجاهات. هذه الفروق تؤثر بشكل كبير في طبيعة المضمون الذي يتعرضون له.

-         الإشباعات: وهي النتيجة التي يصل اليها الجمهور من مضمون الرسالة الإعلامية استجابة لحاجاته ودوافعه من التعرض..

3.     التأكيد على أن الجمهور هو الذي يحتار المضمون الذي يشبع حاجاته وليس العكس.( ( البشر، 2014،  ص133، 134).

مدخل العلاقات الاجتماعية ( نظرية العلاقات الاجتماعية):

كان ينظر إلى جمهور الوسيلة الإعلامية بوصفهم ذرات منفصلة يتصلون بها بطريقة مباشرة وليسوا متصلين ببعضهم البعض، ولم يفكر أحد في العلاقات الاجتماعية غير الرسمية الموجودة بين الأفراد (مكاوي والسيد، 1998، ص250).

 ولكن الأبحاث الميدانية التي أجريت على الأفراد في المجتمعات المعاصرة أكدت ان الأفراد لا يعيشون حالة عزلة وتقوقع، ولا يخضعون لتأثير الرسائل الإعلامية وهم مجردون من أية روابط اجتماعية وان العلاقات التي تربطهم بعائلاتهم وأصدقائهم وزملائهم في العمل وغيرها تؤثر على سلوكياتهم المتعلقة بأليات تأثير الاعلام الجماهيري (مهنا، 2002، ص156)، والتي قد تساعد كذلك على قبول أو رفض الأفكار التي تبثها الوسيلة الإعلامية، ومن هنا جاءت أفكار نظرية أخرى في مجال التأثير الانتقائي (الاصطفائي) وهي نظرية التدفق الإعلامي على مرحلتين ضمن نظرية العلاقات الاجتماعية.

نظريات التأثير المحدود والتأثير المعتدل لوسائل الإعلام

نظرية تدفق (انتقال) المعلومات على المرحلتين

(أو نظرية التدفق الإعلامي على مرحلتين)

Agenda - Setting

 

لقد ساهمت نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 1940 بين وندل ويلكي الجمهوري وروزفلت الديمقراطي، والتي اسفرت عن فوز الديمقراطي روزفلت رغم معارضة وسائل الاعلام له، وهذه النتائج اثارت تساؤل حول العوامل التي أدت إلى هذه النتائج.

هنا ظهرت دراسة لا زارسفيلد وبرلسون وجوديت عام 1944 بعنوان اختيار الشعب، وكان هدفها معرفة الطرق التي تؤثر في تكوين الرأي العام، حيث قام الباحثون بمتابعة أراء عينة من السكان على فترات وقد كانت النتائج كما يلي:

-         عملية تكوين الرأي العام ليست فردية بل جماعية لأن الأفراد يتأثرون بمحيطهم الاجتماعي.

-         أفراد العينة يشاركون الجماعات في النقاش والحوار، أي أن الاتصال الشخصي عامل مؤثر في تكوين الرأي الانتخابي.

-         كما كشفت عن وجود أشخاص داخل كل جماعة يتميزون دون غيرهم بالاتصال الكثيف بوسائل الاعلام، وهم أكثر حرص على نقل المعلومات لباقي الجماعة وأطلق على هؤلاء اسم "قادة الرأي".

-         أغلبية الأفراد لا يحصلون على معلوماتهم من وسائل الإعلام مباشرة بل من خلال اتصالهم بقادة الرأي (مكاوي والسيد، 1998، ص251).

الفرضية الأساسية لهذه النظرية

ان تدفق العملية الاتصالية يمر عبر خطوتين (مرحلتين) وليس بخطوة واحدة.

الخطوة الأولى: تبدأ حين خروج الرسالة من المؤسسة الاتصالية إلى الجمهور، لكنها لا تصل إليه مباشرة بل تمر على قادة الرأي حيث يتلقاها هاؤلاء باعتبارهم عوامل وسيطة بين المؤسسة والجمهور.

الخطوة الثانية: تبدأ حين خروج الرسالة من قادة الرأي إلى الجمهور( المفلح، 2015، ص153)

نظرية ترتيب (تحديد) الأولويات (الأجندة)

استمدت التسمية من فكرة "جدول الأعمال"، الذي يحدد اللقاءات والاجتماعات والذي اصطلح على تسمية "الأجندة". وفكرة النظرية تقوم على أنه مثلما تحدد جداول الأعمال في أي لقاءات، وترتب المواضيع التي سوف تناقش بناء على أهميتها، تقوم وسائل الإعلام بالوظيفة نفسها، أي لها جدول أعمال خاص أو أجندتها التي تحدد الأهم والأقل أهمية من المواضيع( الحضيف، 1998، ص23).

جدول أعمال وسائل الإعلام هو ما تبثه من برامج وما تعرضه من مواضيع حتى تبدو للجمهور أنها ذات أهمية وأولى بالاهتمام من القضايا والمواضيع الأخرى.

ولقد كانت بدايات بحوث ودراسات الأجندة على يد العالم "وولتر ليبمان" من خلال اهتمام هذه النظرية بدراسة العلاقة بين القضايا المثارة في وسائل الإعلام واهتمامات الجمهور حولها. 

ويؤكد رواد هذه النظرية أن هناك عوامل عديدة تؤثر في وضع المواد الإخبارية و الموضوعات على صفحات الصحف، أو المساحات الزمنية لوسائل الإعلام الأخرى، بحيث يكون هذا الاختيار مقصود وهادف للموقع والمساحة وعوامل الابراز الأخرى، هذا ما يبين مدى اهتمام الوسيلة الإعلامية بالمواضيع المثارة ( عبد الحميد، 2004، ص341)

الفرضية الأساسية لهذه النظرية:

·      الفرضية الأساسية لنظرية وضع الأجندة تقوم على أن أثناء عملية صنع الأخبار تقوم وسائل الإعلام على اختيار بعض الموضوعات والقضايا من بين كم هائل من الموضوعات وتضعها في مستهل الأخبار في الوقت الذي تكون فيه هذه الموضوعات تشكل أهمية في أذهان جمهور الوسيلة، أي ان هناك اتفاق بين ترتيب أجندة وسائل الإعلام، وترتيب أجندة الجمهور للاهتمام بالقضايا والموضوعات المثارة في هذه الوسائل.

·      وسائل الإعلام تضع الأخبار والموضوعات في قوالب تساعد على إدراك أهميتها وهذا ما يجعل جمهور الوسيلة الإعلامية لا يعرف من فقط الأحداث والقضايا العامة، ولكنه يعرف أهميتها من موقعها في الوسيلة أيضا(عبد الحميد، 2004، ص343).

نظرية انتشار المبتكرات (المستحدثات) Diffusion of Innovations

هذا النموذج شبيه بنموذج انتقال المعلومات على مرحلتين، إلا انه يسمح بالمزيد من الاحتمالات المعقدة لتدفق الاتصال، إذ أنه يرى ان عملية انتقال المعلومات تتم عبر أو من خلال أفراد عديدين.

يقترب نموذج انتشار المبتكرات من الافتراض القائل أن الرسالة الإعلامية تصل إلى الجمهور عن طريق أفراد يتميزون عن غيرهم بأنهم أكثر تعرضا واتصالا في تعاملهم مع وسائل الإعلام وأطلقت على هؤلاء تسمية قادة الرأي( عبد الحميد، 1998، ص192).

ولقد فصلت نظرية انتشار المبتكرات في شخصية قادة الرأي أكثر من نظرية انتقال المعلومات عبر مرحلتين حيث عرض "روجرز وشوميكر" قائمة ضمت أهم مميزات هؤلاء القادة منها:

-         تعرضهم لوسائل الإعلام على اختلاف انواعها أكثر من اتباعهم.

-         قدرتهم على التحليل والابتكار للأفكار الجديدة، وقدرتهم على إيجاد الحلول أكثر من غيرهم كونهم أكثر انفتاحا على العالم وأكثر تقبلا للأفكار الجديدة.

-         لهم مراكز اجتماعية أفضل من غيرهم نتيجة موقعهم العلمي والاجتماعي و الاقتصادي..( مكاوي والسيد، 1998، ص254).

فروض نظرية انتشار المبتكرات:

تقوم هذه النظرية على عدة فروض أهمها:

-         تقوم النظرية على افتراض مفاده أن وسائل الإعلام أكثر فاعلية في تعريف الجمهور بالمبتكرات والأفكار الجديدة والمستحدثة مقابل فعالية قادة الرأي خصوصا والاتصال الشخصي عموما في تشكيل الموافق حول هذه المبتكرات(المشاقبة، 2015، ص178).

مراحل تبني الأفكار والأساليب المستحدثة:

-         مرحلة الوعي بالفكرة: وهي مرحلة الانتباه او العلم بالفكرة لأول مرة وتكون هذه المرحلة بداية للمراحل الأخرى اذ ما شعر الفرد بالاهتمام بها.

-         مرحلة الاهتمام: في هذه المرحلة يرغب الفرد في معرفة معلومات حول الفكرة بحيث يصبح سلوكه هادفا.

-         مرحلة التقييم: في هذه المرحلة يكون لدى الفرد معلومات كافية عن الفكرة وبالتالي يقرر رفض الفكرة أو اخضاعها للتجريب.

-         مرحلة التجريب: يقوم الفرد في هذه المرحلة بتجريب الفكرة على نطاق واسع