نظرية العلاقات الدولية
2. مفهوم نظرية العلاقات الدولية
- مفهوم نظرية العلاقات الدولية:
قبل التطرق إلى مفهوم نظرية العلاقات الدولية، يتوجب الوقوف عند تحديد تعريف العلاقات الدولية ليتمكن الطالب معرفة هذا المصطلح والخصائص التي يتميز بها. حتى يتسنى له استيعاب الإسهامات الفكرية النظريات المختلفة في هذا الحقل.
أ- تعريف العلاقات الدولية:
إن الدارس لهذا الحقل، يلاحظ بأنه لا يوجد اتفاق حول تحديد تعريف موحد وشامل للعلاقات الدولية من طرف المختصين والباحثين في هذا المجال، وهذا يعود إلى العديد من الأسباب. أهمها حداثة التخصص وتعقد وتشابك ظواهره وكذا حالة اللاثبات والتغير المستمر في ظواهر العلاقات الدولية، بالإضافة إلى تعدد واختلاف المشارب الفكرية والانتماءات الجغرافية لرواد ومنظري هذا الحقل. كل هذه الأسباب وغيرها جعلت من الصعب التوصل إلى تعريف شامل وموحد للعلاقات الدولية. ونظرا لهذا الاختلاف سيتم التعرض لمجموعة من هذه التعريفات.
عرف جيمس برايس العلاقات الدولية عام 1922 بأنها: تلك التي تعنى بالعلاقات بين الدول والشعوب المختلفة.[1] عند التدقيق في هذا التعريف يلاحظ أنه بسيط وشامل غير دقيق. فهو لا يعكس طبيعة ظواهر العلاقات الدولية المتشابكة والمعقدة، كما أنه يفتقد للأسس العلمية والمنهجية التي تشترط التدقيق والوضوح عند البحث في أي مفهوم. بينما يذهب كل من غريسون كيبر ووالتر شارب عام 1940، إلى أن العلاقات الدولية هي: بحث وتشخيص العوامل الرئيسة المحركة للسياسة الخارجية على أن تدرس بشكل منظم.[2] ما يلاحظ على هذا التعريف، أنه على رغم تلميحه على الجوانب العلمية التي تشخص العلاقات الدولية، إلا أنه حاول تقزيم العلاقات الدولية في السلوك الخارجي للدول المتمثل في سياساتها الخارجية.
وفي نفس الاتجاه يرى كل من هانس مورغنثو وكينث تومسون عام 1950 بأن جوهر العلاقات الدولية يتمثل في: السياسة الدولية التي مادتها الأساسية الصراع من أجل القوة بين الدول ذات السيادة.[3] فكلاهما يعتبران بأن العلاقات الدولية تتمحور في السلوك العدواني الذي تنتهجه الدولة باستعمال قوتها على غيرها من الدول الأضعف منها لتحقيق مصالحها وتزيد من نفوذها وقوتها وبالتالي السمة الطبيعية للعلاقات الدولية تكون علاقات صراعية. ولو نرجع إلى أسباب تقديمهم لهذه التعاريف، نلاحظ بأنه حاولوا تعريفها بناء على الأوضاع الدولية التي كانت سائدة في تلك الفترة، أي فترة الحربين العالمية الأولى والثانية، حيث مزال المنطق الواستفالي الذي يركز على الدولة ذات السيادة المطلقة بأنها الفاعل الوحيد في العلاقات الدولية.
فالعلاقات الدولية حسب التعريفات السابقة يمكن توضيحها في الشكل التالي:
ومع تطور العلاقات الدولية وظهور الحركات التحررية وبروز المنظمات الدولية وتزايد فواعل المجتمع الدولي بشكل مطرد وظهور ظاهرة العولمة التي قلصت من مبدأ سيادة المطلق، ظهرت تعريفات جديدة تواكب هذا التطور. من بينها ما جاء به رينولدز. حيث يعرف العلاقات الدولية بأنها: تهتم بدراسة طبيعة وإدارة والتأثير على العلاقات بين الأفراد والجماعات العاملة في ميدان تنافس خاص ضمن إطار من الفوضى وتهتم بطبيعة التفاعلات بينهم والعوامل المتغيرة المؤثرة في هذا التفاعل.[4] أما كانتمان يعرفها بأنها: جملة من العلاقات السياسية، الاقتصادية، الأيديولوجية، الدبلوماسية والعسكرية فيما بين الدول، وكذلك العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بين القوى السياسية في المجتمع، والقوى السياسية والمنظمات والحركات التي تتفاعل في المجتمع الدولي.[5] بناء على هذين التعريفين، يمكن تبسيطه في الشكل التالي:
ومن خلال هذه التعريفات يمكن تقديم تعريفا إجرائيا للعلاقات الدولية، بالقول أنها تلك التفاعلات والسلوكيات خارج الحدود الوطنية، التي تصدر من طرف الدول على شكل سياسات خارجية، بالإضافة إلى غيرها من الفواعل (المنظمات الدولية، الحركات التحررية، المنظمات الدولية غير الحكومية، الشركات متعددة الجنسيات، الشبكات وكذا الأفراد). فظواهر العلاقات الدولية معقدة ومتشابكة تتداخل فيها سلوكيات مختلف الفواعل وتتميز بالتغير المستمر واللامتناهي.
من خلال ما سبق، يمكن القول بأن سبب اختلاف التعريفات المقدمة لمصطلح العلاقات الدولية، يمكن إرجاعها إلى سببين أساسيين. فمن جهة، واقع العلاقات الدولية الذي يغير استمرار نظرا لبروز للعديد من المتغيرات التي تطرأ على ظاهرا. ومن جهة أخر، اختلاف الانتماءات والمشارب الفكرية التي ينتمي إليها كل مفكر في حقل العلاقات الدولية، وبالتالي يعرفها انطلاقا من المبادئ الأساسية التي يرتكز عليها الاتجاه أو المدرسة التي ينتمي إليها. فكل من هذين السببين لم يؤثرا فقط في تحديد تعريف موحد لمصطلح العلاقات الدولية، بل تجاوز ذلك ليشمل حتى استخدامات النظرية بحد ذاتها في العلاقات الدولية، وهذا ما نستشفه في العنصر الموالي.