الإطار المفاهيمي لنظريات العلاقات الدولية
4. وظائف نظريات العلاقات الدولية
أن نظريات العلاقات الدولية تزود الباحث في هذا المجال بالأدوات التحليلية المناسبة لدراسة الظواهر الدولية، فهي تعتبر بمثابة صندوق العدّة، الذي يمكن الباحث من خلاله بتطبيقها على العالم وبذلك يمكنه أن يفهم العالم بطريقة أفضل.
إذ تزودنا النظريات بتفسيرات لأسباب حصول ظواهر العلاقات الدولية، وحقيقة النظريات تزودنا بطائفة واسعة من الأسباب تعكس حقيقة أن للنظريات كثيرا من الافتراضات المختلفة.
ما يمكن أن نستشفه من خلال تحديدنا للنظرية في إطارها الخاص والعام وفي عرضنا لتلك التعاريف، هو أن معظمها يحتوي في طياته وظائف النظرية من وصف للظاهرة وتفسيرا لها والتنبؤ بها. مما يعني ذلك بدوره أن النظرية في العلاقات الدولية والعلوم السياسية بصفة خاصة وفي العلوم الاجتماعية والإنسانية بصفة عامة، ترتبط ارتباطا وثيقا بوظائفها. فلا يمكن القول بوجود نظرية في أي ميدان ما لم تقم بوظائفها المثمثلة في: (الوصف، التفسير، التنبؤ).
1- وظيفة الوصف:
أما وظيفة الوصف في نظرية العلاقات الدولية، فتتعلق بتحديد طبيعة الظاهرة الدولية موضوع الدراسة والتحليل بغرض معرفة ماهيتها وكينونتها. وبعبارة أخرى فإن وظيفة الوصف هي إجابة واضحة عن السؤال: ماذا نبحث؟. فعادة ما تكون هذه الظاهرة مجهولة، فيقوم الوصف بالكشف عن ملامحها، مستخدما في ذلك مفاهيم تتماشي مع تلك الملامح التي يصفها الباحث للوصول إلى وضع فروض أو فرضيات بشأن الظاهرة المدروسة.
2- وظيفة التفسير:
بينما تتعلق وظيفة التفسير بتحليل البعد الزمكاني للظاهرة الدولية، اعتبارا أن هذه الظاهرة تؤثر وتتأثر بالعوامل والمتغيرات البيئية الداخلية والخارجية التي أوجدتها، فيلجأ الباحث إلى التعرف عليها وعلى كل الظروف المتصلة بكينونة الظاهرة المدروسة والعلاقات التي ترتبط بينها وبين غيرها من الظواهر. أي أن وظيفة التفسير هي الإجابة عن السؤال: لماذا نبحث؟.
غير أن التفسير في ميدان العلاقات الدولية بصفة خاصة، وميدان العلوم السياسية، بصفة عامة يواجه العديد من الصعوبات التي تعترض سبيل الباحث للوصول إلى الحقيقة العلمية بشأن الظاهرة محل الدراسة والتحليل. وهي صعوبات يختصرها الأستاذ محمد شلبي في كتابه "المنهجية في التحليل السياسي" في صعوبة التحكم ي الظاهرة السياسية وضبط أطوارها وسلوكها، بالإضافة إلى صعوبة تكرار الأنماط السلوكية للناس على نحو متماثل ومنتظم. ورغم هذه الصعوبات فإن الدراسات السياسية حققت تقدما وتطورا هائلين في دراسة السلوك السياسي من خلال دراسة الظاهرة الدولية في تعقباتها وتنقلاتها الزمكانية، بالاعتماد على منهج التحليل المقارن الذي بفضله ازدهرت الدراسات المقارنة منذ السبعينيات من القرن العشرين.
وهناك نوعان للتفسير في ميدان العلاقات الدولية والعلوم السياسية: تفسير وظيفي، يتعلق بالوظيفة التي يؤديها كل جزء من أجزاء الظاهرة الدولية. وهو التفسير الذي تركز عليه الوظيفية في العلاقات الدولية. وتفسير عليّ، أي سببي يتصل بالعلاقة السببية بين الظاهرة وغيرها من الظواهر المدروسة. وهو التفسير الذي تركز عليه النظريات التفسيرية للعلاقات الدولية كالاتجاه الأخلاقي بشقيه المثالي والأخلاقي، والاتجاه السلوكي بشقيه السلوكية وما بعد السلوكية.
3- وظيفة التنبؤ: إن وظيفة التنبؤ تهتم بدراسة ما يجب أن يكون مستقبلا، كما تقوم بتوجيه ومتابعة الظاهرة بما يتماشى والهدف الذي تصبو إلى تحقيقه. لكن ما يمكن أن نسجله هنا هو أن التنبؤ على غرار التفسير، يواجه بدوره صعوبات جمة ناجمة عن تعقد الظاهرة الدولية وتشابكها وصعوبة ضبطها بسبب مرونة الظاهرة الدولية من جهة، وتغيرها الزمكاني المستمر من جهة أخرى. وهو الأمر الذي يجعل قدرة الباحث على التنبؤ محدودة إلى حد كبير.
كل هذه الوظائف ينبغي أن تقوم بها نظرية من نظريات العلاقات الدولية، بحكم أن الظاهرة الدولية مرتبطة بمجال العلاقات بين الدول. والعيب ليس فيها بل ما هو في طبيعة الظاهرة الدولية والتي هي ظاهرة إنسانية معقدة ومتشابكة بتعقد وتشابك السلوك الإنساني الذي هو محورها وجوهرها.