الخطوط العريضة للقسم
-
الفرع الثالث
النيابة في التعاقد المواد 73- 77 ق م
الأصل أن يبرم الشخص العقد بنفسه ولحسابه، واستثناءً من ذلك قد يبرم الشخص العقد بواسطة شخص آخر ينوب عنه، وهذا ما يصطلح عليه بالتعاقد عن طريق النيابة، حيث يٌشترط في شخص النائب لانعقاد العقد صحيحاً ما يشترط في شخص الأصيل لو أبرم العقد أصالة عن نفسه خاصة، من حيث الأهلية اللازمة للتعاقد وخلوا الإرادة من العيون.
وتكمن أهمية النيابة في التعاقد خاصة بالنسبة للأشخاص الذين لا يستطيعون مباشرة التصرفات القانونية بأنفسهم، كما هو الحال بالنسبة لفاقد الأهلية والأشخاص الاعتبارية، كما تظهر فائدة النيابة أيضاً بالنسبة للأشخاص الذين لا تسمح لهم ظروفهم بإبرام التصرف بأنفسهم كما في حال السفر، نقص الخبرة…الخ.
اولا: تعريف النيابة في التعاقد
تعرف النيابة على أنها حلول ارادة شخص معين يسمى النائب محل اراد شخص آخر يسمى الأصيل في إبرام تصرف قانوني تنصرف آثاره إلى ذمة الأصيل وحده، وبهذا فالنائب طرف في التصرف القانوني المبرم والأصيل طرف في العلاقة التي تنشأ عن هذا التصرف، فأثار التصرف (العقد) تنصرف إلى ذمة الأصيل كما لو كان هو الذي أبرم التصرف بنفسه.
ثانيا: انواع النيابة
تنقسم النيابة بحسب المصدر المقرر لها الى ثلاث انواع
1- النيابة القانونية: وهي تلك التي يستمد فيها النائب سلطته في التعاقد من القانون مباشرة مثل الولي، الوصي والقيم.
2- النيابة القضائية: وهي تلك التي يستمد فيها النائب سلطته في التعاقد من حكم القاضي حيث قد يعهد القانون للقاضي تعيين النائب كما هو الحال بالنسبة للوصي والقيم والحرس القضائي ووكيل الغائب والمفقود.
3- النيابة الاتفاقية: وهي الأصل حيث يستمد النائب فيها سلطته في إبرام التصرفات القانونية من ارادة الأصيل بموجب عقد الوكالة، مع ملاحظة أنه لا تكون النيابة إلا في الأعمال القانونية دون الأعمال المادية خلافا للوكالة والتي هي أحد مصادر النيابة.
ثالثا: شروط النيابة في التعاقد
يشترط في التعاقد عن طريق النيابة توافر الشروط الثلاثة التالية:
1- حلول إرادة النائب محل إرادة الأصيل
2- إبرام النائب للتصرف باسم الأصيل ولحسابه أي وجوب العلم بالنيابة
3- أن يلتزم النائب في إبرامه للتصرف حدود النيابة
الشرط الأول: حلول إرادة النائب محل إرادة الأصيل
لكي تتحقق النيابة يجب أن يعبر النائب عن إرادته هو لا عن إرادة الأصيل، وهذا ما يميز النائب عن الرسول الذي يقتصر دوره فقط على مجرد النقل المادي للتعبير عن إرادة أحد المتعاقدين إلى المتعاقد الآخر.
ويترتب على اعتبار النائب يتعاقد بإرادته هو لا بإرادة الأصيل عدة نتائج هامة نذكر منها ما يلي:
- في النيابة الاتفاقية يشترط في النائب أن يكون مميزا على الأقل لأن آثار التصرف الذي يجريه لا تنصرف إليه وإنما تنصرف إلى ذمة الأصيل (يمكن هنا أن يبطل عقد الوكالة لنقص أهلية النائب دون أن يؤثر هذا البطلان على التصرف الذي أجراه هذا النائب)، ويسأل عند اذن قبل الأصيل بالقدر الذي يمكن أن تتحقق فيه مسؤوليته بالرغم من نقص الأهلية، اما في النيابة القانونية والقضائية فإن القانون يشترط في الغالب أن يكون النائب كامل الأهلية.
- يشترط طبقا للمادة 73 من القانون المدني ان تكون ارادة النائب خالية من العيوب (الغلط، التدليس، الاكراه والاستغلال) والا كان العقد قابلا للإبطال دون ان يشترط ذلك في ارادة الأصيل.
- إن علم النائب او عدم علمه بعض الظروف وكذا حسن نيته او سوئها والذي قد يرتب عليه القانون أثار معينة هو الذي يجب أن يؤخذ به، دون علم أو عدم علم الأصيل ودون حسن او سوء نية هذا الأخير، فإذا علم النائب مثلا بوجود عيب في الشيء الذي اشتراه لحساب الأصيل فلا يحق الرجوع على البائع بدعوى ضمان العيوب الخفية حتى ولو كان الأصيل غير عالم به.
وإذا كان النائب سيء النية بتعامله مع مدين يعلم انه معسر جاز لدائن هذا المدين الطعن في التصرف الذي أجراه هذا النائب بالدعوى البوليصية ولو كان الأصيل حسن النية.
غير أنه إذا كان النائب يتصرف وفق تعليمات محددة من الأصيل بحيث تكون لإرادة الأصيل دور في إبرام التصرف، فإنه لا يجوز للأصيل أن يتمسك بجهل النائب ببعض الظروف التي كان يعلمها هو أو كان من المفروض حتما ان يعلم بها طبقاً للمادة 73 الفقرة الثانية من القانون المدني، ولا يكون هذا إلا في النيابة الاتفاقية (حسب المادة 73/02 غير أنه إذا كان النائب وكيلا أي مصدر النيابة هنا عقد الوكالة) أي يجب النظر كذلك إلى إرادة الأصيل في الحدود التي تشترك فيها مع إرادة النائب في إبرام التصرف سواء بالنسبة لعيوب الإرادة أو بالنسبة الى العلم أو الجهل ببعض الظروف المرتبطة بالعقد.
الشرط الثاني: يجب ان يبرد النائب التصرف باسم الأصيل ولحسابه.
لما كان جوهر النيابة انصراف آثار التصرف القانوني الذي يجريه النائب إلى ذمة الأصيل مباشرة لا إلى ذمة النائب، كان لزاماً على النائب إعلام المتعاقد الآخر بأنه يتعاقد باسم الأصيل ولحسابه، اما اذا لم يُعلن النائب ذلك عند التعاقد واعتقد المتعاقد الآخر أنه أصيلا عن نفسه لا نائباً عن غيره تماشيا مع الأصل العام، فإن العقد لا ينعقد لعدم توافق الارادتين بين النائب والمتعاقد الآخر، لأن النائب لم يقصد الزام نفسه بالعقد كما أن آثار هذا العقد لا تنصرف الى ذمة الأصيل لأن المتعاقد الآخر تعاقد مع النائب بصفته اصيلاً عن نفسه لا نائباً عن غيره(غير انه هناك من الفقهاء من يرى بأن العقد هنا ينعقد وتنصرف اثاره الى ذمة النائب شخصياً لا إلى ذمة الأصيل).
واستثناء مما تقدم تنصرف آثار العقد الى ذمة الأصيل على الرغم من عدم اعلام النائب للمتعاقد الآخر انه نائباً عن غيره في حالتين طبقا للمادة 75 من القانون المدني:
الحالة الأولى: إذا كانت ظروف الحال تفترض حتماً علم المتعاقد الآخر بوجود النيابة رغم عدم إعلان النائب ذلك، فمن يشتري سلعة ما من الأسواق والمحلات الكبرى يُفترض علمه بأنه يتعامل مع صاحب السوق أو المحل وليس مع المستخدم، فما هذا الاخير الا نائبا عن الأصيل صاحب السوق.
الحالة الثانية: إذا كان يستوي عند المتعاقد الآخر وقت التعاقد أن يتعامل ويتعاقد مع النائب او مع الأصيل، فمن يشتري سلعة ما من أحد المحلات فإنه يستوي عند البائع أن يكون مشتريها قد اشتراها لنفسه او لغيره فيحق لهذا الغير الرجوع على البائع مباشرةً بدعوى ضمان العيوب الخفية إذا وجد بالشيء المبيع عيبا خفيا وقت التعاقد والعكس بالعكس، أين يستوي لدى المشتري أن يكون البائع هو صاحب المحل او مجرد مستخدم لدى غيره.
الشرط الثالث: يجب أن يلتزم النائب في إبرام التصرف حدود النيابة
طبقا للمادة 74 والمادة 575 من القانون المدني وحتى يحتفظ النائب بصفته كنائب وحتى تنصرف آثار التصرف الذي يجريه الى ذمة الأصيل فيلزمه، يجب على هذا النائب أن يلتزم حدود نيابته، فإذا تجاوز حدود نيابته زالت صفة النائب عنه وأصبح تصرفه قاصراً عن إنتاج آثاره في ذمة الأصيل إلا إذا اقره، كما لا يُلزم هذا التصرف النائب لأنه لم يقصد إلزام نفسه به، وعليه لا يكون أمام المتعاقد الآخر إلا الرجوع على النائب بالتعويض عن الضرر الذي اصابه نتيجة عدم انصراف أثر العقد إلى ذمة الأصيل بخطأ النائب.
غير أنه ترد حالات استثنائية تَنفذ فيها تصرفات النائب في حق الأصيل على الرغم من تجاوز النائب لحدود نيابته الاتفاقية نذكر منها ما يلي:
1- إذا كان النائب ومن تعاقد معه يجهلان معاً وقت التعاقد انقضاء النيابة، طبقاً للمادة 76 من القانون المدني، وهذا حمايةً للتعامل والثقة بين الناس كما لو كان المتعاقدان يجهلان وقت التعاقد موت الأصيل او عزله للوكيل النائب، فتصرف النائب بعد انتهاء النيابة يعتبر تجاوزاً لها.
2-إذا كان الغير بسبب خطأ الأصيل او اهماله اعتقد بحسن نية ان تصرف النائب كان في حدود سلطته كنائب.
3- إقرار الأصيل لتصرف النائب طبقا للمادة 77 من القانون المدني
4- إذا كان تصرف النائب يعود بالنفع المؤكد على الأصيل، أي متى استحال على النائب إخبار الأصيل سلفا وكانت الظروف القائمة يغلب معها الظن بأن الأصيل ما كان إلا ليوافق على هذا التصرف، وهنا يجب على النائب إبلاغ الأصيل بخروجه ومجاوزته لحدود نيابته فوراً طبقا للمادة 575الفقرة 02 من القانون المدني.
رابعا: آثار النيابة
يترتب على النيابة آثار قانونية هامة نذكرها تباعا:
1- فيما يتعلق بالعلاقة التي تربط النائب والأصيل، فإن هذه العلاقة يحكمها المصدر المنشأ للنيابة أي القانون أو الاتفاق، ففي النيابة القانونية يتولى القانون تحديد حقوق والتزامات كل من النائب والأصيل، وان كانت النيابة اتفاقية فان عقد الوكالة هو الذي يتولى تحديد هذه الحقوق والالتزامات طبقا لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين.
2-آثار النيابة بالنسبة للأصيل: إذا تصرف النائب باسم الأصيل وفي حدود نيابته فإن هذا التصرف ينفذ مباشرة في حق الأصيل حيث يضاف كل ما ينشأ عنه من حقوق والتزامات إلى ذمة الأصيل وحده مباشره دون ان تمر بذمة النائب طبقا للمادة 74 ق م.
3- آثار النيابة بالنسبة للغير: إن التصرف المبرم بين النائب والغير ينشأ علاقة مباشرة بين هذا الأخير أي الغير والأصيل حيث يكتسب المتعاقد معه في مواجهة الأصيل ما ينشأ عن العقد من حقوق ويسأل عن تنفيذ ما ينشأ في ذمته من الالتزامات.
والجدير بالملاحظة أنه لا يملك هذا الغير الرجوع على النائب عند عدم تنفيذ الأصيل لإلتزاماته إلا إذا كان هذا النائب قد كفل الأصيل في ذلك فيرجع عليه بصفته كفيلا لا بصفته نائباً.
4-آثار النيابة بالنسبة للنائب: لا أثر للعقد المبرم في مواجهة النائب فلا يحمله اي التزام ولا يكسبه اي حق، وعليه لا يملك هذا النائب مطالبة المتعاقد معه بتنفيذ العقد الا إذا كان نائبا كذلك عن الأصيل في التنفيذ، كما لا يُسأل عن عدم تنفيذ الأصيل لالتزاماته التي رتبها العقد في ذمته.
خامسا: حكم تعاقد الشخص مع نفسه
يمكن أن يتعاقد الشخص مع نفسه في فرضين لا ثالث لهما وهما:
الاول: ان يبرم الشخص العقد بصفته أصيلا عن نفسه ونائبا عن غيره، كما لو اشترى لنفسه الشيء الذي وكل لبيعه، فهو أصيلا عن نفسه بصفته مشترى ونائبا عن البائع، وكذلك الأب الذي يهب جزءًا من ماله لولده القاصر ثم يقبل الهبة باعتباره وليا عن ولده أي نائب عنه نيابة قانونية.
الثاني: أن يبرم الشخص العقد باعتباره نائباً عن كلا المتعاقدين، كما لو أناب شخص شخصاً آخر في أن يبيعه منزله فيشتريه لشخص ثالث أنابه ووكله في شرائه، وكمن وكل شخص يختار له زوجة فزوجه ممن في ولايته بنته مثلا.
موقف المشرع الجزائري من تعاقد الشخص مع نفسه.
الأصل أنه لا يجوز تعاقد الشخص مع نفسه، وعلة هذا المنع والتحريم تكمن في أن العقد يمثل تقابل لمصلحتين متعارضتين، يعجز النائب عن التوفيق بينها في حال التعاقد مع النفس، وهو ما يؤدي به الى التضحية بمصلحة أحد المتعاقدين على حساب مصلحة المتعاقد الآخر، حيث أن مصلحة البائع في البيع بأعلى ثمن ومصلحة المشتري في الشراء بأقل ثمن، وتزداد خطورة التعاقد مع النفس عندما يكون النائب أصيلا عن نفسه ونائباً عن غيره حيث في الغالب يقدم مصلحته الشخصية على حساب مصلحة الأصيل وهذا ما يخالف مبدأ حسن النية في تنفيذ العقد طبقا للمادة 170 من ق م.
لأجل ما تقدم لا يجيز المشرع تعاقد الشخص مع نفسه بموجب المادة 77 والمواد 410 411 412 من القانون المدني.
غير أنه واستثناء من القاعدة السابقة يجوز تعاقد الشخص مع نفسه في الأحوال التالية طبقا للمادة 77 من القانون المدني.
1- إذا وجد في القانون نص صريح يجيز ذلك: كما في حالة الولاية على المال، بحيث يجوز للأب أن يتعاقد مع نفسه باسم القاصر سواء كان ذلك لحسابه هو أو لحساب شخص آخر طبقاً للمواد 87 الى 90 من قانون الأسرة، وطبقا للمادة 90 منه إذا تعارضت مصلحة الولي مع مصلحة القاصر يعين القاضي متصرفا خاصاً تلقائياً او بناءً على طلب من له مصلحة.
2-إذا رخص الأصيل للنائب التعاقد مع نفسه.
3- إذا أقر الأصيل التعاقد مع النفس، الإقرار اللاحق كالإذن السابق.
4-إذا اقتضت قواعد التجارة جواز تعاقد الشخص مع النفس، كما هو الحال بالنسبة للوكيل بالعمولة حيث يعد وكيل عن البائع والمشتري مقابل عمولة معينة ووفق لقواعد القانون التجاري.