1. تنظيم حرية الصحافة في الجزائر

1-   تنظيم  حرية الصحافة في الجزائر

قبل الاستقلال قيدت السلطات الفرنسية السلطات الجزائرية منذ بداية وجودها في الجزائر مرورا بالحركة الوطنية وصولا إلى الثورة الجزائرية و مع هذا مثلت الصحافة الجزائرية جزءا مهما من الحركة الثورية بدفاعها عن الحرية، فإذا أردنا الحديث عن حرية الصحافة في التشريع الجزائري، فهنا يمكن تمييز مرحلتين أساسيتين مرت بهما حرية الصحافة  وهما مرحلة الحزب الواحد من الاستقلال إلى غاية سنة 1989 ومرحلة ما بعد التعددية الحزبية.
أ. المرحلة الممتدة من 1962 إلى 1976:

 كانت تعيش الجزائر في ظل نظام الحزب الواحد، حيث كرس دستور 1963 مبدأ حرية التعبير بصفة عامة، حيث نص في مادته التاسعة عشر على أنه: المادة 19: " تضمن الجمهورية حرية الصحافة، ووسائل الإعلام الأخرى، وحرية تكوين الجمعيات، وحرية التعبير والتدخل العمومي وحرية الاجتماع ".
إلا أن هذه الحرية لم تكن مطلقة، بل كانت مقيدة من طرف السلطة والحزب الحاكم "حرب جبهة التحرير الوطني، وهذا ما نستخلصه من المواد 22، 23، 26، من نفس الدستور، والتي تنصّ على ما يلي:
المادة 22: " لا يجوز لأي كان أن يستغل الحقوق السالفة الذكر في المساس باستقلال الأمة وسلامة تراب الوطن والوحدة الوطنية ومنشآت الجمهورية ومطامح الشعب والاشتراكية ووحدة جبهة التحرير الوطني ".
المادة":23 جبهة التحرير الوطني هي حزب الطليعة الواحد في الجزائر ". المادة 26: " جبهة التحرير الوطني تنجز أهداف الثورة الديمقراطية الشعبية، و تشيد الاشتراكية في الجزائر "

في دستور 1976، فهنا أيضا لازالت الجزائر تعيش في ظلّ نظام الحزب الواحد، فلم يضف شيئا، إذ أنه سار في نفس الاتجاه الذي سار عليه دستور 1963 فقد أكّدت المواد 49، 53، 54، 55، 57، على حماية حق حرية التعبير والاجتماع وغيرها من الحقوق، ولا يمكن التذرع بها لضرب أسس الثورة الاشتراكية. المادة 49: "لا يجوز انتهاك حرمــة حـياة المواطن الـخاصــة و لا شرفــه، و القانون يصونهما. سرية المراسلات و المواصلات الخاصة بكل إشكالها مضمونة ".المادة 53: " لا مساس بحرية المعتقد و لا بحرية الرأي ".
 و المادة 54: " حرية الابتكار الفكري و الفني و العلمي للمواطن مضمونة في إطار القانون
حرية التأليف محمية بالقانون ". و المادة 55: " التعبير والاجتماع مضمونة، و لا يمكن التذرع بها لضرب أسس الثورة الاشتراكية.  

ب. مرحلة الممتدة من 1976  - 1982:

تعتبر المرحلة التي سبقت صدور قانون من 1976 إلى 1982 أكثر توضيحا للوضع القانوني للإعلام و حرية الصحافة حيث أصدرت السلطة السياسية وثيقتين تعدان بمثابة قاعدة أساسية للنشاط الإعلامي في الجزائر وهما "اللائحة الخاصة بالإعلام" و "لائحة السياسة الإعلامية".

    • اللائحة الخاصة بالإعلام: وافق و لأول مرة المؤتمر الرابع لجبهة التحرير الوطني المنعقد 1976سنة، على لائحة خاصة بالإعلام وهو ما يظهر أن الإعلام أصبح من اهتمامات القيادة السياسية للبلاد.  وتتلخص العناصر الجوهرية التي احتوتها اللائحة فيما يلي :
    • الحق في الوصول إلى مصادر المعلومات.
    • ضمان الحقوق المادية والاجتماعية للصحفي
    • ضرورة تحديد العلاقة بين الصحفي والسلطة العمومية والمواطن.
    • إعادة النظر في التكوين والتأهيل الأكاديمي للصحفي المحترف
  •   لائحة السياسة الإعلامية:

صدرت هذه اللائحة بعد المناقشات التي جرت خلال الدورة السابعة للجنة المركزية لحزب جبهة التحرير في الفترة من 15 إلى 17 جوان1982، وقد استهدفت المناقشات تحديد المنطلقات والأهداف الأساسية للعمل الإعلامي في الجزائر. و أهم ما تضمنته اللائحة الإشارة إلى أهمية تكوين الصحفيين عن طريق التنسيق بين معهد الإعلام والمؤسسات الإعلامية الوطنية، إنشاء مؤسسة لتكوين الإطارات التقنية في مجال الإعلام وتدعيم المؤسسات الإعلامية بإنشاء المركز الوطني للتوثيق.كما أكدت اللائحة على نفس المبادئ والأسس السابقة فيما يتعلق بخصائص الصحفي فهو: وطني ثوري، ملتزم، مسؤول، صادق، وفي، ديمقراطي وموضوعي.

  •  قانون الإعلام 1982:

صدر قانون الإعلام رقم 82-01 في 6 فيفري 1982 وهذا بعد 20 سنة من الاستقلال، و تم تقديم نص المشروع من طرف الحكومة إلى مكتب المجلس الشعبي الوطني في 05 أوت 1981، وبعد عدة مناقشات تم ضبط هذا المشروع في شكله النهائي وإصدار أول قانون للإعلام في الجزائر. و يتكون الهيكل العام لهذا القانون من 128 مادة مقسمة على خمسة أبواب، إضافة إلى مدخل القانون الذي ينص على المبادئ العامة و التي أكدت في مجملها على الأسس الاشتراكية ومبادئ الثورة.

جاء قانون 1982 بمثابة تطبيق لما ورد في الميثاق الوطني لسنة 1976 الذي أكد على ضرورة تحديد دور الصحافة و الإذاعة و التلفزيون بواسطة القانون, و الذي يكرس بدوره حق المواطن في الإعلام و إصدار هذا القانون, المادة 01: "الإعلام قطاع من قطاعات السيادة الوطنية, يعين الإعلام بقيادة حزب جبهة التحرير الوطني في إطار الاختيارات الاشتراكية المحددة للميثاق الوطني, عن إرادة الثورة, ترجمة لمطامح الجماهير الشعبية يعمل الإعلام على تعبئة كل القطاعات وتنظيمها لتحقيق الأهداف الوطنية."،  المادة 02: "الحق في الإعلام حق أساسي لجميع المواطنين. تعمل الدولة على توفير إعلام كامل وموضوعي"

مضمونه

تكون الهيكل العام لقانون الإعلام 1982 من 128 مادة موزعة على 59 مادة مدخل يحتوي المبادئ العامة و خمسة أبواب مرتبة كما يلي :

  • الباب الأول النشر و التوزيع
  • الباب الثالث: توزيع النشرات الدورية و التجول للبيع
  •  الباب الرابع: الإيداعات الخاصة و المسؤولية و التصحيح و حق الرد.
  • الباب الخامس: الأحكام الجـزائـية

ما يلاحظ على قانون1982 أن هذا الأخير:

جاء ليعكس الفضاء السياسي الذي كانت تعيش فيه المؤسسات الإعلامية الجزائرية أي سياسة الحزب الواحد، وهو ما حاول المشرع تكريسه من خلال عدة نقاط أهمها:

-     تثبيت هيمنة الدولة والحزب من خلال المادة الأولى  السابقة الذكر

-     عدم خروج الممارسة المهنية للصحافة عن إطار الحزب الواحد، فحتى لو مارس الصحفي نشاطات تعليمية لابد أن تتم ضمن معاهد تابعة للحزب أو الدولة، وهذا وفقا لما جاء في المادة 49:"إن الواجبات والالتزامات المنصوص عليها في القانون تهدف بالدرجة الأولى لخدمة أهداف الثورة، وهو ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة:48 "حيث أن الواجبات والالتزامات الأخلاقية جاءت لتكريس الاختيارات الأساسية للبلاد وهي الاشتراكية."

-     ابتعاد قانون الإعلام 1982 عن الجانب المهني للمهنة الصحفية وجعله في المقام الثاني بعد حصر المهنة في جانب النضال والالتزام بالخطاب السياسي الرسمي، وهو ما أثر سلبا على الممارسة المهنية. من ناحية أخرى نجد أن القانون اعترف بحق الصحفي المحترف في الحصول على البطاقة المهنية والتمتع بالحقوق المرتبطة بها، إلا أن تسليم هذه البطاقة يكون من طرف وزير الإعلام بناء على رأي اللجنة المكلفة بذلك، المعينة من الدولة والتابعة للحزب.

و بقى العمل بقانون الإعلام 1982 من خلاله بسمح بحرية الإعلام في حدود أخلاق الأمة و توجهات القيادة  الثورية 

جـ.المرحلة الممتدة 1989-1992

كان للوضع الداخلي الذي عاشته الجزائر أواخر الثمانينات من القرن الماضي إضافة إلى أوضاع أخرى خارجية  دورا لا يستهان به في لجوء النظام السياسي الجزائري إلى مراجعة نفسه، إذ أدرك أن المخرج من الأزمات التي أصبحت تتخبط فيها البلاد لا يكون إلا بحتمية التغيير، وهذا الأخير لا يكون إلا بإعادة النظر في القانون الأسمى الذي يحكم البلاد وينظمها ألا وهو الدستور، وهذا ما تجسد بالفعل إذ تم تبني دستور جديد في 23 فبراير 1989.

فتح دستور 1989 الباب أمام جملة من الحريات العامة من بينها حرية الرأي والتعبير حيث نصت المادة 31 منه على أن "الحريات الأساسية وحقوق الإنسان والمواطن مضمونة وتكون تراثا مشتركا بين جميع الجزائريين والجزائريات"، أما المادة 35 فتنص على أنه "لا مساس بحرمة حرية المعتقد وحرمة حرية الرأي"، وتذهب المادة 36 إلى أبعد من ذلك بنصها على أن "حرية الابتكار الفكري والفني والعلمي مضمونة، وأن حقوق المؤلف يحميها القانون ولا يجوز حجز أي مطبوع أو تسجيل أو أية وسيلة أخرى من وسائل التبليغ والإعلام إلا بمقتضى أمر قضائي"، وجاءت المادة 39 لتكرس هذه الحرية حيث نصت على أن "حريات التعبير وإنشاء الجمعيات والاجتماع مضمونة للمواطن"، وبذلك تعتبر هذه المادة بما نصت عليه خطوة أولى على درب التعددية الإعلامية وحرية الصحافة.

ولأن حرية الإعلام جزء لا يتجزأ من حرية التعبير فقد كان لزاما وضع الإطار القانوني الذي يترجم تلك المواد خاصة المادتين 36 و39، وتجسد ذلك عمليا بصدور قانون الإعلام رقم90- 07 المؤرخ في 3 أفريل 1990 المحدد لقواعد ومبادئ ممارسة حق الإعلام، والذي يعتبر أول قانون منذ الاستقلال ينص على حرية الإعلام وحق المواطن في إعلام موضوعي وفتح المجال أمام القطاع الخاص وعلى حرية إصدار الصحف، وتجدر الإشارة هنا إلى أنه حتى قبل صدور القانون قام رئيس الحكومة آنذاك مولود حمروش بإصدار تعليمة مارس 1990 التي تحث وتشجع المهنيين على اختيار طريق الصحافة الخاصة وذلك بدفع مرتبات سنتين مسبقا لتكوين رأسمال، وبتقديم مساعدات لتأسيس كالحصول على المقرات مجانا لمدة خمس سنوات وقروض خاصة لأجل التجهيز مع الاحتفاظ بحق العودة إلى المؤسسات الإعلامية الأصلية في حالة فشل المشروع الجديد.